أكد ل«عكاظ» الشاعر والدبلوماسي سعد البواردي أن الشاعر الذي يتجرد من وفائه وانتمائه لوطنه هو عدمي النظر وعدمي الحياة، واعتبر في رده على سؤال «عكاظ» عن تركيزه على العنوان اللافت في قصائده ك«قصائد تتوكأ على عكاز» و«فلسفة المجانين» و«شبح من فلسطين»، أن مضمون القصيدة ودلالاتها أهم من النظر إلى العناوين، وقال: «قبل أن انظر إلى البنية في القصيدة يجب أن أتطلع إلى مضمون القصيدة وما تعطيه وما هي الدلالات التي توحي إليها»، وأضاف «لا يهم إطار القصيدة أو شكلها بقدر ما يهم محتواها ومضمونها، وحينما تكون القصائد تتوكأ على عكاز فإنها في ظاهرها تعبر عن شيء ما لا يقوى على الحركة أو شيء ما يستعين بقدرة أخرى تسنده وبالتالي هو يمثل عجزا وهربا في الحياة. وبقدر ما يكون للإنسان رغبة وطموح بأن يتحدث مثلا عن فلسفة المجانين التي هي تقريبا توأم لما أعطاه الكاتب الكبير أحمد السباعي في كتابه «فلسفة الجن» حينما استمد فكره وخياله من بطل كتابه، الحقيقة أن الكتاب أعجبني وأعجبت بصياغته وبدلالاته ومضامينه وبالتالي استوحيت منه القصيدة. هذه الرؤية الفلسفية للحياة تتحدث عن إنسان استطاع أن يستوعب الحياة بقدرة وبإرادة وبشمولية غابت عن الكثيرين»، وتساءل: لماذا كان هذه الفلسفة وهذا الجنون؟، وأجاب «لان هذا المجنون بتصوري هو العاقل الذي يتهم بالجنون في نظر أولئك الذين لا يدركون مفاهيم الحياة ويتعذر ذلك عليهم، هذا ما قاله السباعي فرأيت أن احتذي حذوه في أن ارسم له صورا شعرية للحياة». البواردي الذي حط في بيروت بعد حنين دام 40 عاما، من مغادرته عمله في السفارة السعودية في بيروت، أجاب على سؤال «عكاظ» عن أين وجد نفسه بين الصحافة والعمل الإداري والعمل الدبلوماسي والشعري، قائلا: «من الصعب على إنسان ما أن يختار أي مسلك يسلكه إلا عندما يستوزنه، وعندما يرى نفسه في ذلك العمل، ومن الصعب جدا أن يميز إنسان ما عملا مارسه ثم أعقبه بعمل آخر أن يميز بين الاثنين إلا بقدر معطياته في ذلك العمل، الإنسان هو حصيلة قبل أن يكون خيارا وظيفيا، هو عطاء قبل أن يكون مرتبا، لهذا فإنني احتار كيف اختار، احتار إذا ما قلت أنني دبلوماسيا واحتار أيضا إذا ما قلت أني انتهج مسلكا آخر في حياتي، لأن الحياة كلها جزئيات من ممارسات تكون واقعا عمليا هو العمق الإنساني بقدره وعلى أساسه يمكن المفاضلة بين النجاح وبين ما هو أقل من النجاح». وعن الوطن الحاضر في قصائده ودواوينه، قال: «الإنسان وطن وانتماء، والإنسان وفاء وولاء، وحينما يتجرد الشاعر من وفائه وانتمائه لوطنه فهو عدمي النظر وعدمي الحياة، الإنسان هو بذرة نمت في هذه الأرض، والأرض بالنسبة إلينا هي الأم الحنون التي سقتنا ورعتنا وأعطتنا وحافظت علينا وتطالبنا بأن نعطيها ذلك الرد الجميل الذي يحميها ويهبها منا العطاء، عطاء البناء وعطاء الحفاظ على كرامتها وحريتها، وبالتالي لا يستغرب أن يقدم إنسان ما ولاء وفداء لوطنه وأمه الأرض وهو مطالب دائما أن يكون ملتصقا بتلك الأرض وبقدر ما أعطته يجب أن يعطيها». وحول تقييمه لمسابقة «شاعر الملك» الشعرية التي انتهت أخيرا في المملكة، قال: «حتى الآن لا استطيع الحكم عليها لأني لم اقرأ نتائجها، ولكنها في تصوري تأخذ مأخذا وطنيا في أن تشيد بدور خادم الحرمين الشريفين وتعطيه شيئا مما يستحقه، أما فيما يتعلق بقدرتها وقوتها في التعبير فهذا لا استطيع أن أتحدث عنه». ولم يخف البواردي حنينه لبيروت حيث قال: «وجودي في بيروت يعيد إلي الحنين الذي مضى عليه أكثر من 40 عاما، بيروت في تصوري هي أجمل بلد رأيته في العالم لأني طوفت بأكثر من 40 بلد وأكثر من 150 مدينة في العالم، لم أجد بلدا في العالم فيه تضاريس لبنان وجماله وجغرافيته وديمقراطيته، هذا البلد الصغير يستطيع الإنسان أن يختبر فيه الفصول الأربعة للسنة في يوم وساعة واحدة، فبيروت صيف وعاليه ربيع وصوفر خريف والأرز شتاء، هذا البلد يستطيع أن يستوعب كل ثقافات العالم».