لقد فقدت اليوم كلمة «الصدق» نسبيا جزءا من وهجها لدى كثير من الناس، مثلها مثل غيرها من الكلمات أو المصطلحات التي تعبر عن مفاهيم وخصال إنسانية وقيم فاضلة. لقد أصبحت كلمة «الصدق» برأي وتعامل الكثيرين عملة قديمة ونادرة في عالم اليوم، أصبحت موغلة في القدم، والناس يبحثون عن «المودرن» . لقد غاب عند البعض تذوق معناها الصحيح. نعم استهلكت كلمة الصدق، واستهلك معناها، وفي المقابل زادت نسبة الكذب، وفسحت كلمة «الصدق» الطريق لكلمة «الشفافية» بمعناها الغامض «المودرن» ، ولو كان مشوبا بالكذب والتزييف، التي اعتقد جازما أن البعض «يريد بها باطلا». أليست كلمة «الشفافية» تحايل على الصدق ومعناه، وتصحيفاته ومعانيها التي وردت كثيرا في القرآن الكريم، وكذا في السنة ؟ فكلمة الصدق تخرج من القلب، وكما قيل: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان» . أليس الصدق هو الصدق وليس من بديل له ولا مثيل، لا «الشفافية» التي تعني ببساطة ظهور ما وراء الشيء أو الجسم، ولا غيرها ؟ لقد تغيرت كما يبدو عند البعض معاني كثير من الكلمات والمصطلحات والمفاهيم، كالصدق، وتغيرت معاييرها، والخوف في نهاية الأمر على اللغة العربية، وهي التي تحتفظ لنا بمعاني كلماتها كما جاءت في القرآن والسنة والتراث العربي والإسلامي بشكل عام. لكن يبقى الصدق عز وأعز ما يملكه الإنسان، وتبقى له الأولوية في ترتيب القيم والفضائل الأخرى لأن الصدق دليل على الأمانة، والأمانة من الإيمان. البعض يرى في وقتنا الحاضر عدم الصدق من الكياسة والذكاء ، وأحدهم يرى أنه «ذئب» ، أو ماهر ذكي، لأنه تحايل على الصدق وأنجز عن طرق ملتوية ما يريد تحقيقه! يكاد يصبح الفساد والإفساد والكذب والنفاق محل الصدق وللأسف! وعكس الصدق الكذب، الذي هو دليل الخيانة والرذيلة، فقد زاد الإقبال عليه كبضاعة في وقتنا الراهن. عندما تتكلم بالصدق مع البعض يغضب لأنه يريد سماع ما يحلو له ولو بالكذب، فقد تعود على سماع الكذب، أما الصدق فأصبح يتيما مثل غيره من المفاهيم والقيم الفاضلة الأخرى. يحاول البعض أن «يحور ويدور» حول الصدق ولا يقول إلا الكذب، وقد ينجح هذا البعض معتقدا أنه يضحك على الآخرين بهذا الأسلوب. فالصادق برأي هذا البعض «جلف» مسكين، أو طيب القلب (استهزاء)، ساذجا، أو «ما عنده سالفة» . تذهب لمتابعة معاملة ما فيجيبك أحدهم باتخاذ الإجراء اللازم عليها بعد (كذا) من الأيام، وتأتي بعد ذلك ولم تجد أن تم ما وعدت به، ثم يعطيك موعد آخر .. وعندما تؤكد عليه أهمية الصدق بتنفيذ ما وعد به قبل انصرافك يجيبك: «إن شاء الله»، قاصدا بذلك تصريفك، لا تحقيق ما وعد به. تشتري بضاعة من محل تجاري بعد أن يؤكد لك البائع أنها أصلية وممتازة، ثم تجد بعد استعمالها غير ذلك. لقد غشك وكذب عليك. أما التعامل مع العمالة اليوم فحدث ولا حرج: الصدق لدى الكثيرين منهم ممنوع، بل معدوم. والأعذار أقبح من مخالفة الموعد أو عدم إجادة ما يتم عمله من قبلهم. ومهما كانت الأحوال، فالصدق سيد الموقف، ويجب أن يبقى كذلك في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان.