لا شك أن الثورات العربية قد أخذت معظم المحللين السياسيين بشيء من الصدمة أو المفاجأة. ومع أن الربيع العربي قد مر عليه اليوم قرابة العشرة أشهر، فإن هؤلاء المحللين لايزالون يبحثون في أسباب وتحولات الأوضاع في المنطقة والشكل الذي ستؤول إليه الأوضاع بعد أن يهدأ غبار مثل هذا التحول والثورات الشعبية الكبرى. وبغض النظر عن التعريفات السياسية للثورات والصراعات التي تحدث بين أبنائها والتيارات السياسية المكونة لها خاصة بعد إقصاء الزعيم الأوحد السابق، فإن هذه الثورات، كما هو معروف، تمر بمراحل مختلفة، وربما تنتهي ببروز حزب سياسي وحيد وشخصية كاريزمائية تبعد جميع المنافسين وتصبح بعدها زعيما أوحد للثورة، ومسيطرة بشكلٍ كامل ودكتاتوري على مقاليد السلطة في الدولة الجديدة. ومثل هذه النظريات الكلاسيكية وأخرى غيرها ربما تنطبق على ثورات بعينها دون أخرى، وعلينا كأساتذة عرب أن نطور نظريات جديدة لتفسير حدوث الثورة والهزات الاجتماعية والسياسية في تونس ومصر، وغيرها من دول المنطقة. وفي رأيي الشخصي فنحن مقصرون جدا في هذا الشأن وعلينا أن نتعامل مع مثل هذا الحدث النظري، وأن نبني أطرا نظرية جديدة، أو في الأقل أن نطبق النظريات والنماذج المعروفة على الربيع العربي، كما طبقها المنظرون في أوروبا على الثورات التي عمت بلدان شرق أوروبا في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات. فقد ربط المنظرون الأوروبيون بين ثورات شرق أوروبا وبين دور النقابات العمالية خاصة في بولندا التي كانت محركا لمثل هذه الثورات. وهناك بعض المنظرين العرب مثل صادق جلال العظم، ممن حاول أن يربط بين الثورة وبين حدوثها في الريف السوري. فمعظم هذه الثورات العربية ظهرت في الريف قبل المدينة، أو في الأطراف قبل المركز. وربما فسرها آخرون بأن أطراف المدن خاصة في ريف دمشق قد عانت من تدهور بيئي وتحول في ملكية الأراضي الزراعية من أراضٍ تشغل أعدادا كبيرة من الناس من أجل إنتاج الغذاء من فواكه وخضراوات مطلوبة لأهالي المدن، إلى أراضٍ جدباء مخصصة للبناء والتوسع العمراني ويسيطر عليها كبار تجار العقار في المدن الكبرى. ومثل هذا التحليل لا ينطبق على الريف السوري، بل ربما انسحب كذلك على مناطق واسعة قريبة من القاهرةوتونس وغيرهما من المدن العربية. وكذلك، فإن نظريات الثورة ترتبط أيضا بمفهوم الاستقرار السياسي. فالثورة تعني نهاية حقبة سياسية معينة في تاريخ الشعوب، وبداية حقبة سياسية جديدة. وفي رأيي ، فإن الزيادة السكانية الهائلة التي شهدتها البلدان العربية خلال نصف قرن مضى، مصحوبة بتراجع اقتصادي أصاب فئات عمرية من الشباب، دون بقية الفئات العمرية، هو السبب الرئيسي، في نظري، لتقديم تفسير نظري لما حدث. والحقيقة أننا كنا ننتظر قيام الثورات في العواصم، كما ننتظر قيامها في بلدان مدقعة الفقر، وليست في حال اقتصادية متوسطة. فبعض الإحصاءات المنشورة عامي 2008م و 2009م، عن كل من تونس ومصر، لا تشير إلى أن هذه البلدان على حافة الثورة. فحسب الدراسات المنشورة عام 2010م من قِبل أحد مراكز البحث الغربية، فإن عدم الاستقرار السياسي في البلدان الأفريقية هو أعظم بكثير من عدم الاستقرار السياسي في معظم البلدان العربية. وبالتالي، فإن نتيجة تلك الدراسات ترى بأن الثورات مرشحة للحدوث في البلدان الأفريقية قبل أن تحدث في البلدان العربية. وبالنسبة للدراسة التي أعدها (مونتي مارشال وبنجامين كول عام 2010م) في مركز السلام، والتي اعتمدت على خمسة عشر متغيرا، فإن الثورة ذات احتمال أكثر في الحدوث في النيبال، أو كرغستان، قبل أن تحدث في مصر. ويمكن أن تحدث في الهند، قبل حدوثها في تونس. نكمل في الأسبوع المقبل. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة