منذ مطلع هذا العام شهدت المنطقة العربية، تحولات جديدة، على خلفية الثورات التي حدثت في كل من تونس ومصر، التي لا تزال تداعياتها مستمرة في اليمن، وليبيا، وسورية، هذا الواقع الجديد يؤشر على وقائع جديدة في المنطقة، وهي مرشحة للاستمرار طوال هذا العام وربما العام المقبل أيضاً، ففي خريطة الشرق الأوسط تبدو التغييرات التي تحدث ذات طابع مختلف تماماً عما شهدته هذه المنطقة منذ أكثر من نصف قرن، إنها نهاية حقبة، وبداية حقبة أخرى. وفي ظل هذه التداعيات كان لابد لجامعة الدول العربية، أن تكون هي الميدان الذي تنعكس فيه هذه التغيرات الجديدة. وهكذا حين حدثت تلك الأحداث المفاجئة في كل من ثورتي تونس ومصر، بدت الجامعة العربية عاجزة عن التعاطي مع تلك الأوضاع، فهي بطبيعتها تقوم على سياسات التوافق التي تضمن أوضاعاً مستقرة بين الدول العربية، ولم يكن أحد بالطبع يتصور أن تنقلب الأمور رأساً على عقب في مثل ذلك الوقت، وهو ما أدى لاحقاً، مع تأثيرات ثورتي تونس ومصر في بعض بلدان المنطقة، إلى الظن لدى كثير من المراقبين أن جامعة الدول العربية، ربما لا تستطيع في مثل هذه التحولات التي تجري في المنطقة العربية أن تكون مواكبة لها. وبالفعل، مع ما يجري يومياً من أحداث استمرت مع بداية ثورة تونس، ولم تنتهِ حتى اليوم، أصبحت الجامعة في وضع شبه مشلول، فمن ناحية لم تستطع الجامعة عقد مؤتمرها السنوي الدوري، الذي كان من المفترض أن يعقد في العراق منذ أكثر من شهر، ومن ناحية أخرى لم تبتكر الجامعة أي آلية للتعاطي مع الأوضاع الجديدة. وعلى رغم ما قامت به جامعة الدول العربية في ضوء ما حدث في ليبيا، حينما قام العقيد معمر القذافي بقتل شعبه بأسوأ أنواع الانتقام المتخلفة، كان لابد للجامعة من أن تصطف مع التحركات الدولية التي قادتها الولاياتالمتحدة وأوروبا للحد من الجرائم التي ارتكبها القذافي ضد شعبه، عبر قرارات الأممالمتحدة التي مهدت لها الجامعة العربية ببعض المواقف التي سهلت التحرك الدولي ضد العقيد معمر القذافي. وبخلاف هذه الخطوة التي أجمع عليها المجتمع الدولي تقريباً، أو أكثر الفاعلين فيه، إلا أن الجامعة العربية طرأت لها استحقاقات أخرى للنظر فيها كالأحداث التي جرت ولا تزال تجري في اليمن، إذ لم تقدم الجامعة مبادرة تذكر، وتركت الأمر لدول مجلس التعاون الخليجي، عبر المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، التي لا تزال تسير بخطى متعثرة من دون الوصول إلى حل لها. واليوم تحدث الكثير من التحولات في المنطقة العربية، وتحتاج إلى تفعيل دور الجامعة لتكون أكثر تعبيراً عن الاستراتيجيات الجديدة في المنطقة، فالتحول الذي وقع في مصر عبر الثورة هو بالفعل تغيير استراتيجي كبير، وستتغير على ضوئه الكثير من المعطيات والمعادلات والاستراتيجيات. ذلك لأن مصر هي أكبر دولة في المنطقة العربية، فلا شك أن ذلك سيؤدي إلى تغييرات مقبلة تحتاج من الجامعة العربية إلى تجديد آليات عملها من ناحية، واستشراف خطط جديدة للعمل العربي المشترك تتوافق مع ما سيأتي من تحولات. وقبل شهر حدثت تغييرات في جامعة الدول العربية، ولعلها أول المؤشرات إلى الوضع الجديد الذي ستضطلع به الجامعة حيال الاستحقاقات العربية الجديدة. فعندما تم اختيار نبيل العربي (وزير الخارجية المصري السابق) أميناً عاماً للجامعة العربية، بعد أن قررت قطر سحب مرشحها، إيماناً منها بدور الأمين العام الجديد، كان ذلك إيذاناً ببدايات جديدة ربما تشهدها الجامعة على يد نبيل العربي. فالرجل بما عُرِف عنه من مواقف وطنية وقومية جادة، قد يكون من أصلح الناس لقيادة الجامعة في ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة العربية. وبما أن الرجل هو أيضاً أحد رموز الثورة المصرية على الأقل باختياره ضمن الطاقم الوزاري لحكومة عصام شرف فإن ما سيأتي على يديه من خطط وتصورات لمسار الجامعة العربية ربما يكون مختلفاً عما كان سابقاً. وفي كل الأحوال ستمر الجامعة العربية باختبار صعب على خلفية التغييرات التي تطال دول المنطقة، وهي تغييرات ربما ستلغي نظام التوافق الذي كان يضمن وضعاً هشاً في سياسات الجامعة طوال عهدها السابق، لأن ذلك التوافق كان انعكاساً لمواقف الدول العربية، وما كان بينها من محاور واصطفافات أصبحت اليوم أكثر عرضة للتآكل. فما يجري اليوم في المنطقة العربية أوشك أن يقضي على المعادلات السابقة، لقد انكشف جلياً بعد ثورتي تونس ومصر، والحراك الذي يجري في الكثير من دول المنطقة. ذلك أن سياسات المحاور، أو ما كان يطلق عليها دول الاعتدال من ناحية، ودول الممانعة من ناحية أخرى، أصبحت تتعرض للكثير من التغييرات التي دلت على وقائع جديدة ومعطيات جديدة. فقد تغيرت مصر عبر الثورة، وهذا يعني أن ما حدث في مصر لا بد أن يكون له أثره الكبير في بقية دول المنطقة العربية. وإذا أدت التحولات والثورات في المنطقة العربية إلى نتائج إيجابية، ودلت على الاستقرار والأمن والسلام؛ فإن مهمة الجامعة العربية، في ظل رئاسة نبيل العربي، لا شك ستتأثر بتلك التغييرات الإيجابية، ولابد من أن تكون لها استراتيجيات جديدة تتعاطى من خلالها مع تلك التحديات. محامٍ ومستشار [email protected]