نصف مليون سعودية وسعودي ترددوا على العيادات النفسية في العام الحالي، منهم 60 في المائة من فئة الشباب بزيادة 20 في المائة عن السنوات الماضية، وفق إحصائية لوزارة الصحة على لسان مدير عام الصحة النفسية والاجتماعية في الوزارة الدكتور عبد الحميد الحبيب. وتؤكد لغة الأرقام تنامي انتشار الأمراض والأعراض النفسية في المجتمع بين جميع فئاته بمن فيهم شريحة الشباب والفتيات، خصوصا أن هذا الرقم لا يعطي بدقة أعداد المصابين بالأمراض النفسية، لأن كثيرا منهم لا يلجأ للعيادات النفسية خوفا من النظرة الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تساهم في تنامي هذه الأمراض وتمنع من علاجها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأن البعض قد يلجأ للعلاج بشكل خفي وتحت ستار أمراض أخرى غير نفسية مما يجعله خارج دائرة الإحصاء، كما أن البعض الآخر يفضل العلاج في عيادات خاصة أو في مستشفيات خارج المملكة، خوفا من النظرة الاجتماعية التي ترمي زائر العيادة النفسية بالجنون. ورغم تحسن نظرة المجتمع نسبيا في التعاطي مع الأمراض النفسية إلا أن الأمر بحاجة لدراسة مسحية دقيقة تكشف حجم الأمراض النفسية في المجتمع ومسبباتها، ولماذا تنتشر لدى فئة الشباب بشكل كبير. وتحمل تصاريح بعض المسؤولين في مجمعات مستشفيات الأمل في المملكة دلائل كبيرة على انتشار الأمراض النفسية وذلك ما عبر عنه المشرف السابق على مستشفى الأمل في جدة الدكتور محمد عبد الله شاوش في تصريح سابق عام 2007م عن ارتفاع نسبة إدمان المخدرات في المملكة أربع مرات ما يعني ارتفاع المصابين بالأمراض النفسية إذا علمنا أن أهم أسباب انتشار هذه الأمراض هي إدمان المخدرات والمسكرات. وتحمل تصاريح بعض المسؤولين في مجمعات مستشفيات الأمل في المملكة دلائل كبيرة على انتشار الأمراض النفسية وذلك ما عبر عنه المشرف السابق على مستشفى الأمل في جدة الدكتور محمد عبد الله شاوش في تصريح سابق عام 2007م عن ارتفاع نسبة إدمان المخدرات في المملكة أربع مرات ما يعني ارتفاع المصابين بالأمراض النفسية إذا علمنا أن أهم أسباب انتشار هذه الأمراض هي إدمان المخدرات والمسكرات. وفجر المشرف العام في مجمع الأمل للصحة النفسية الدكتور محمد الزهراني قنبلة من العيار الثقيل حينما أعلن عن ارتفاع نسبة حالات الإدمان في ثلاثة أعوام سابقة 300 في المائة لدى الرجال شرقي السعودية فقط، هذا بخلاف ما ترصده أقسام التوجيه والإرشاد الطلابي في المدارس والجامعات من حالات لا تدخل في دائرة الحصر، وما خفي كان أعظم. ويأتي تنامي الأمراض النفسية في المملكة وسط خوف كبير في العالم من انتشارها، بعد أن سجلت التقديرات العالمية أن 450 مليون شخص في العالم يعانون من اضطرابات نفسية، منهم 145 مليونا مصابون بالاكتئاب، ومليون شخص ينتحرون سنويا بسبب الأمراض النفسية، وهذا ما حدا بمنظمة الصحة العالمية بالقيام بالدراسات البحثية. وقررت منظمة الصحة العالمية أن تبدأ بمبادرة المسح العالمي للصحة النفسية بالتعاون مع جامعة هارفارد، وذلك للسعي لقياس مدى انتشار الأمراض النفسية، وتحديد العوامل المسببة لها، ونتائج علاجها. «عكاظ» فتحت ملف تنامي انتشار الأمراض النفسية في المجتمع خصوصا لدى فئة الشباب واليافعين، وتساءلت عن أسباب ظهورها والحلول لمواجهتها، ودور الجهات المعنية بضرورة محاصرة هذه الأمراض، وتساءلت عن غياب الأرقام والدراسات والأبحاث حيالها؛ وخلصت إلى التوصيات في سياق التحقيق التالي: بداية، يؤكد المستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط والمستشار القضائي الخاص الدكتور صالح بن سعد اللحيدان، تنامي أعداد المصابين بالأمراض النفسية في المجتمع السعودي. وأبان اللحيدان أن الأمراض النفسية تنقسم إلى قسمين، أحدهما وراثي ويصل عدد المصابين به إلى 20 في المائة، بينما غالبية المصابين من القسم الثاني وهو المرض النفسي الاكتشافي الذي يصل اكتشافه إلى 31 في المائة، مشيرا إلى أنه ينبثق من هذا النوع المرض النفسي التوهمي للأشخاص الذين لديهم استعداد لتقبل المرض النفسي. ورأى اللحيدان أن هناك سببين رئيسين في زيادة أعداد المصابين بالأمراض النفسية، هما؛ ضعف الوازع الديني الواعي الذي يساهم في إصابة الكثيرين، والسبب الثاني ضغوط الحياة ومنها المشاكل الأسرية والمالية والاجتماعية والثقافية والفكرية والجنسية. وعن أسباب ارتفاع الأمراض النفسية لدى فئة الشباب واليافعين يرى المستشار العلمي أن هناك أسبابا عديدة وراء انتشارها في مجتمعنا، أبرزها؛ عدم وجود المثل الأعلى في البيت، نشوء الحاجة للمادة، طلاق الوالدين، الصحبة السيئة خلقا وفكرا، عدم المؤاخاة بين البيت والمدرسة، والانفتاح التقني الهائل. ويرى اللحيدان أن الاختلاط في الولائم والأفراح والمناسبات بين مشارب شتى من المجتمع يتم فيها تبادل المعلومات دون توجيه أو رقيب من أسباب انتشار الأمراض النفسية بين الشباب، معللا رأيه بقوله «من المعلوم أن اليافعين يتلقون أي إيحاء ويقبلونه على علاته، ومن هنا فإن الشباب أكثر الفئات إصابة بالمرض النفسي»، مبينا أن 50 في المائة من الشباب لديهم قابلية للإصابة بالمرض النفسي، خصوصا ممن ينصاعون للأوامر دون محاكمة العقل والتفكير. المرض والجريمة وعن علاقة المرض النفسي بالجريمة قال اللحيدان «إذا كان المرض نفسي وراثيا فإنه يقود للجناية، أما إذا كان مكتشفا فإن الجناية هي التي تأتي إليه، لأن غالب من يصاب بالمرض النفسي من فئة الشباب ليست لديهم حصانة بمعنى أنه ضعيف الشخصية ومن السهولة استغلاله وهو ما يفسر وقوع الشباب في الجرائم». لكن اللحيدان يرى أن كثيرا ممن يقعون في الجنايات يدعون الأمراض النفسية وهم أصحاء، مطالبا كل دولة بإيجاد لجنة عليا لعمل ملف عائلي يشمل أسرة الجاني ويستخلص من خلالها مدى تقبلهم للإصابة بالأمراض النفسية من عدمها. وهنا يؤكد متخصص نفسي يعمل في لجان المناصحة (فضل عدم ذكر اسمه) أن غالبية المتطرفين والإرهابيين والمغرر بهم يعانون من أمراض نفسية، مرجعا ذلك لوجودهم في بيئات مساعدة على ذلك من ناحية الوراثة من جهة، ومن ناحية الصراع الداخلي من جهة أخرى. ويؤكد المتخصص أن كثيرا من المتطرفين ينتقلون في حياتهم من النقيض إلى النقيض، حيث إن غالبيتهم كانوا في الأصل منحرفين أخلاقيا ويعانون من الضياع، فينتلقون إلى التشدد في التدين، مشيرا إلى أن هؤلاء يفتقدون إلى الأمن النفسي من خلال صراعهم الداخلي بين إشباع رغباتهم والواقع الجديد الذي يمنعهم من ذلك، مما يؤدي بهم إلى الانطواء والعزلة، والظن أنه لا يكفر ذنوبهم سوى الجهاد والاستشهاد السريع، حتى يشعروا بالاطمئنان النفسي كما يظنون، فيصبح من السهولة التأثير عليهم وجرهم إلى العمليات الإرهابية تحت ستار الجهاد والاستشهاد، فإذا تاب إلى الله توبة نصوحا واعتدل في دينه فإن هذه المشكلة النفسية ستنتهي. ارتفاع الوعي ويختلف استشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب مع بعض طروحات اللحيدان في أن الأمراض النفسية في ازدياد في المجتمع، وأن ضعف الوازع الديني هو السبب الرئيس، قائلا «لا يمكن أن نعتبر أن هناك زيادة في أعداد المرضى النفسيين خصوصا من فئة الشباب بناء على إحصائية وزارة الصحة، لأن هناك احتمالا آخر أن هناك ارتفاعا في الوعي وتناقصا في النظرة الاجتماعية التي تصم زائر العيادات النفسية بالجنون، مما يجعل هناك إقبالا على العيادات بزيادة كبيرة ممن يعانون أصلا من المرضى وكانوا يخشون الذهاب». وشدد الحبيب على أن هناك مفهوما خاطئا يربط بين المرض النفسي ونقص الإيمان والوازع الديني، مبينا أن هذا الربط غير صحيح، لأن المرض النفسي مثله مثل أي مرض عضوي آخر، بينما نقص الإيمان يؤدي للمرض الروحي الذي يختلف كليا عن المرض النفسي، في رأي مخالف للحيدان. وأبان الحبيب أن نوبات الذعر والرهاب الاجتماعية والوسواس القهري هي أكثر الأمراض النفسية انتشارا بين المجتمع وخصوصا الشباب، لكن الحبيب أشار إلى أن الشباب ليسوا الاكثر إصابة وإنما الأكثر وعيا وذهابا للعيادات النفسية لتلقي العلاج من الفئات الأخرى، مما يجعل نسبتهم الأكبر في إحصائية وزارة الصحة. ورأى الحبيب أنه لا يمكن القياس على إحصائية وزارة الصحة لأنها لا تشكل معيارا دقيقا لمعرفة نسبة الأمراض النفسية في المجتمع وانتشارها، مبينا أن الإحصاءات المجتمعية هي التي تعطي الانطباع الحقيقي. لكن الحبيب ربط هذه الإحصاءات بمدى تجاوب الناس معها، مستبعدا تعاطي كل الناس معها بسبب خصائص المجتمع السعودي. وحمل الحبيب قيادة المرأة للسيارة السبب في عدم قدرة المرأة على الوصول للعيادات النفسية، خصوصا أن كثيرا من النساء يتحرجن من الذهاب بمعرفة أهلهن مما يخفي الرقم الحقيقي لنسبة النساء خصوصا الفتيات المصابات بالأمراض النفسية. ولاحظ استشاري الصحة النفسي أن البعد الوراثي هو السبب الأبرز في ظهور الأمراض النفسية، إضافة لطريقة التربية الاجتماعية في المملكة التي تعزز ثقافة التبعية لدى النشء وتزيد من فرصة ظهور أعراض عدم الثقة في النفس، والرهاب الاجتماعي. ودعا الحبيب لضرورة بعد الأسر التي تحمل قابلية لظهور الأمراض النفسية من الزواج من بعضها، مؤكدا أن المجتمع سيمر حاليا بمرحلة انتقالية ستلقي بظلالها من النواحي النفسية جراء ابتعاث الكثير من الشباب والفتيات وسينتصر فيها الجيل الجديد، إن اهتم بأصول الدين. زيادة عالمية وخالف استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى الأمل سابقا الدكتور محمد شاوش الغامدي رأي الحبيب واتفق مع اللحيدان في مسألة ازدياد ظهور الأمراض النفسية في المجتمع، مبينا أن الزيادة ليست على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العالمي. وأرجع الغامدي سبب انتشار هذه الأمراض للظروف الاقتصادية والتحولات الاجتماعية والتفكك الأسري والحروب والكوارث والفقر والبطالة. لكن الغامدي يتفق مع رأي الحبيب في أن إحصائية وزارة الصحة ليست دقيقة وأن الدراسات والإحصائيات المسحية عن نسبة انتشار الأمراض النفسية في المجتمع غائبة، معتبرا ذلك أمرا طبيعيا لأنه في أمريكا وأوروبا نسب الأمراض النفسية غير المكتشفة تشكل 50 في المائة، فمن باب أولى أن تكون نسبة الأمراض في مجتمعنا أكبر خصوصا أن البعض يلجأون للرقاة أو السحرة والمشعوذين لعلاج أمراضهم النفسية. ورأى الغامدي أن من أسباب انتشار الأمراض النفسية قلة الجمعيات المتعلقة بالصحة النفسية والتي لا تذكر. ويشير إلى أن القصور تتحمله الجهات الحكومية، وعلى رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية التي تضع تعقيدات كثيرة في طريق ظهور هذه الجمعيات التي تسهم في تثقيف المجتمع والحد من تنامي الأمراض النفسية. وأضاف «حاولنا تأسيس جمعية تطوعية، ولنا ثلاث سنوات وحتى الآن لم نحصل على الترخيص»، مطالبا بعدم الاعتماد على القطاع الحكومي وحده، واللجوء إلى الجمعيات غير الحكومية التي تتميز بالمرونة. وفي المقابل، فإن مستشفيات وعيادات الصحة النفسية بحاجة لزيادة لمواكبة زيادة أعداد المراجعين لها. الجمعيات النفسية وهنا، ينفي مدير فرع وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة عبد الله آل طاوي وجود تعقيدات كبيرة لإنشاء الجمعيات، مؤكدا أن الإجراءات الروتينية تؤخر صدور الموافقات. ولفت آل طاوي إلى أنهم يملكون في كل دار إيواء أخصائيين نفسيين لنزلاء الدار لمعالجتهم نفسيا، وأبان أن الوزارة ترصد المرضى النفسيين بالتعاون مع وزارة الصحة وتسجلهم في الضمان الصحي، وتدرس حالاتهم وتصرف لهم مخصصات شهرية تناسب حالاتهم. لكن آل طاوي أكد أن الوزارة لا تتعامل مع أية حالة إلا بالتنسيق مع وزارة الصحة، كما أن مسؤولية المرضى النفسيين المنتشرين في الشوارع هي دور النقاهة التابعة للصحة وليست الشؤون الاجتماعية، مشيرا إلى أنهم يحرصون على خدمة أي مصاب بمرض نفسي يتقدم لهم ويطلب الاستشارة. من جهته، يؤكد مدير فرع جمعية حقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة الدكتور حسين الشريف كلام الدكتور محمد شاوش الغامدي عن حاجة مستشفيات وعيادات الصحة النفسية في المملكة للتوسعة والتطوير والتحديث وزيادة الاهتمام. وأضاف قائلا «طالبنا بإنشاء مستشفيات جديدة عصرية تتناسب مع الهدف والغاية وتراعي الظروف البيئية للمجتمع، وفي الوقت، دعينا المجتمع لضرورة المعاملة الجديدة مع المريض النفسي وعدم نبذه لأن النظرة الدونية تتسبب في إعراض الكثيرين عن زيارة العيادات النفسية وبالتالي تزداد الأمراض دون أن تعالج». ضمان الحقوق وهنا، يشير عضو لجنة الشباب والأسرة في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري إلى أهمية النظر في ضمان حقوق المريض الوظيفية والمعيشية خلال فترات العلاج، بعد ملاحظة تأثير المرض في هذه الجوانب، إضافة للتوسع في العيادات والمستشفيات النفسية لمواكبة الأعداد المتزايدة، معتبرا أن نصف المليون رقم كبير ويدق ناقوس الخطر. وطالب بكري بإيجاد دراسات علمية تحدد أسباب انتشار الأمراض النفسية خصوصا لدى فئة الشباب، مع أهمية النظر في أحوال المرضى المطلقين في الشوارع. وبالعودة للدكتور حسين الشريف أبان أن الجمعية رصدت عددا كبيرا من المرضى النفسيين المطلقين في الشوارع، وهو أمر مضر وغير مقبول مجتمعيا ولا دينيا، فيتم القبض عليهم بشكل لائق وتقديم الرعاية الصحية لهم، فإن لزم تنويمهم في المستشفيات وإلا سلموا لذويهم، مؤكدا أن الجمعية تواصل عمل الزيارات للمستشفيات والعيادات لمعرفة مدى التزام مسؤولي الصحة بوعودهم في توسعة المستشفيات والعيادات وتطويرها، في ظل ازدياد أعداد المرضى النفسيين. ولاحظ الشريف تنامي أعداد المصابين بالأمراض النفسية لدى فئة الشباب من خلال عمله في الجامعة، مؤكدا أن بعض طلبته يراجعونه بسبب اضطرابات نفسية يعانون منها «ونحاول أن نتابع حالاتهم ونضع لهم الحلول الملائمة». وبالعودة للدكتور محمد شاوس فإنه أكد كلام من سبقوه بأن هناك تناميا في أعداد الشباب المصابين بالأمراض النفسية، مرجعا ذلك إلى إهمال الأسر، لأن كثيرا من الأطفال يصابون بأمراض نفسية دون أن تعالج، فيكبرون وتبقى هذه الاضطرابات مصاحبة لهم، مشيرا إلى وجود حاجة كبيرة وملحة للأطباء النفسيين المختصين بالأطفال لأنهم يساهمون في القضاء على كثير من الأعراض النفسية وهم في سن صغيرة، مؤكدا أن العجز ليس محليا بل إنه يعتبر عالميا. ورأى الغامدي أن تنامي الأمراض يعود لضعف ما يصرف على الصحة النفسية في دول العالم الثالث الذي لا يتعدى 2 في المائة من ميزانيات وزارات الصحة. علاقة الإدمان ويوضح استشاري الصحة النفسية في مستشفى الأمل في جدة الدكتور أيمن العرقسوسي أن ارتفاع الأمراض النفسية لدى الشباب يقف خلفها إدمان المخدرات والمسكرات، مشيرا إلى أن معظم المدمنين يعانون من اضطرابات نفسية، والإدمان يزيد من مرضهم. ويواصل العرقسوسي بيان أسباب انتشار الأمراض النفسية لدى الشباب ومنها الاحتكاك بالمجتمع والظهور الجديد المصاحب بتطلعات وطموحات كبيرة، مبينا أن الأمراض النفسية تختلف بين الجنسين، فالنساء أكثر عرضة لأعراض الاكتئاب والقلق من الرجال. ويتفق العرقسوسي مع آراء من سبقوه بأن إحصائية وزارة الصحة لا تعتبر مقياسا لمعرفة نسبة الأمراض النفسية في المجتمع، مؤكدا أن الأمر بحاجة لدراسة مسحية شاملة يستفاد منها في التخطيط والتطوير، مشيرا إلى أن هذه الدراسات مسؤولية مشتركة بين الجامعات وطلبة الدرسات العليا والأخصائيين النفسيين ووزارة الصحة. وحدد استشاري الصحة النفسية الطريقة المثلى للتخلص من الأعراض النفسية بين فئة الشباب وباقي فئات المجتمع، والمتمثلة في اتباع نمط الحياة الصحي في المأكل والمشرب والنوم، مؤكدا أن اتباع النظام وممارسة الرياضة يساهمان في تخفيف الضغوط وتنظيم العمليات العقلية والجسمية ويساعدان على التفكير السليم، مطالبا الجهات البحثية بالتعاون بشكل أكبر للحد من انتشار الأعراض النفسية. ظاهرة ملفتة ويؤكد أستاذ علم النفس ورئيس الدراسات المدنية في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور ناصر العريفي تنامي أعداد المصابين بالأمراض النفسية خصوصا عند فئة الشباب، مشيرا إلى أنها أصبحت ظاهرة ملفتة، مبينا أن التطورات الأخيرة والإيقاع السريع للحياة خلق فجوة وألقى بظلاله بظهور أعراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام لها دور سلبي في المواد التي يبثها وتتضاد مع الثقافة القائمة في المجتمع، مما يخلق صراعا ثقافيا عند الشباب. وعن أبرز الأسباب التي تؤدي لظهور أعراض نفسية عند الشباب في المرحلة الجامعية وبالتحديد فوق سن الثامنة عشرة، أبان العريفي أن سفر الشباب للخارج وتعرضهم لبعض المشكلات والعقبات يخلق نوعا من ردات الفعل والصراع بين ثقافتهم وثقافة الآخرين، مبينا أن ما يساعد على ظهور الأعراض النفسية عند فئة الشباب الخواء الروحي وضعف الوازع الديني. ولاحظ العريفي أن وقوع بعض الشباب في براثن الرذيلة يقوده لبعض الأمراض النفسية، من خلال شعوره الدائم بعقدة الذنب وتأنيب الضمير، فيصاب بالاكتئاب الحاد الذي يصل في بعض الأحيان لمحاولات الانتحار. وعدد بعض مظاهر الأعراض النفسية التي تظهر عندهم مثل الوسواس القهري، والقلق والاكتئاب. ولفت إلى من الأسباب المهمة أيضا التفكك الأسري والفراغ العاطفي، مما يجعل هناك فجوة لدى الشاب يمكن أن يدخلها أشخاص خارجون عن الأسرة، ومنهم الخادمات وأصدقاء السوء. وأفاد العريفي أن الأسرة النووية التي تتكون من أب وأم وإخوة أضرت بمجتمعنا وتسببت في ظهور الاضطرابات النفسية، فإذا فقد الإنسان أحد أفراد الأسرة ولم يجد من يعوضه انعكس ذلك على نفسية الأبناء والبنات، بخلاف الأسرة الممتدة التي تشمل الجد والجدة والأعمام والأخوال، فإذا فقد الإنسان أحد أفراد عائلته وجد من يعوضه، مبينا أن ما ساعد على ظهور الأسر النووية الهجرة من القرى للمدن. وأكد أستاذ علم النفس على أن الاسرة التي تعاني التفكك مع وجود الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية تكون بؤرة لإصابة أفرادها من الأبناء والبنات بالأمراض النفسية. إحصائيات مفقودة وتختلف الأخصائية النفسية في مركز التوجيه والإرشاد في جامعة الملك عبد العزيز نوال الزهراني مع رأي العريفي في أن الأمراض النفسية لا تشكل ظاهرة ملفتة عند الشريحة الشابة من المجتمع، لكنها ترى أن هناك تزايدا في انتشار الأمراض النفسية ربما لا يظهر على السطح بشكل واضح وذلك لحساسية الموضوع، كما أنه لا توجد إحصائيات لأننا نفتقر لوجود مراكز الدراسات الإحصائية. وأبانت الزهراني أن أكثر الأمراض النفسية انتشارا بين الفتيات الفوبيا (المخاوف المرضية) بجميع أنواعها، إضافة للقلق والاكتئاب والوساوس القهرية. وأرجعت ظهور مثل هذه الأعراض للوراثة بالدرجة الأولى، إضافة لطريقة التربية في الصغر. ورأت الزهراني أن الخبرات السلبية التى يتعرض لها الطفل تسهم بشكل أو بآخر في ظهور بعض الاضطرابات النفسية. ولم تغفل الباحثة نوال الضغوط الاجتماعية والأسرية والاقتصادية والثقافية والسياسة من حولنا، وطبيعة العصر وطريقي التعاطي معه كأسباب جوهرية في ظهور الاضطرابات عند الفتيات. ونفت الزهراني وجود آلية متبعة في مسح وحصر الأمراض النفسية لدى الطالبات في مرحلة التعليم الأكاديمي العالي، لكنها أشارت لوجود مراكز استشارات وتوجيه نفسي في فروع الجامعة والكليات تعنى بمتابعة الحالات التي تأتي إليها، مشيرة إلى أن الطالبة التي تحتاج للمساعدة وتحول من قبل الأساتذة يتم عمل دراسة حالة لها ووضع خطة علاجية ومتابعتها وإذا ما كانت الحالة تحتاج تحويلا إكلينيكيا يتم تحويلها. وأفادت الزهراني أن الجامعة تقيم دورات لتطوير مهارات ومستويات الأخصائيين النفسيين، لكنها طالبت بزيادتهم في كل فروع الكليات التابعة للجامعة. التغيرات السريعة ويتفق مدير إدارة التوجيه والإرشاد في إدارة تعليم محافظة جدة حسن السالمي مع رأي الزهراني في أن الأمراض النفسية لاتشكل ظاهرة بين الطلاب، واستدرك لكن هناك بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية البسيطة التي يتفاوت انتشارها بين الطلاب نتيجة للتغيرات السريعة في النمو العقلي والجسمي والاجتماعي التي يعيشها الأطفال خصوصا في المرحلة الأولى من التحاق الطالب بالمدرسة، مبينا أن أبرز الاضطرابات النفسية التي تظهر هي الرهاب الاجتماعي وقلق الانفصال والخجل الاجتماعي وبعض حالات الاكتئاب البسيطة واضطراب وفرط الحركة وتشتت الانتباه والتي تشير بعض الدراسات إلى أن نسبته تزيد عن 16 في المائة بين التلاميذ، بالإضافة إلى الاضطرابات النمائية المنتشرة، وبعض مشكلات النطق، وظهور بعض العادات غير المستحبة، كمص الأصابع، وقضم الأظافر، وبعض الاضطرابات السلوكية المتعلقة بفترة المراهقة، كالتمرد والعصيان وممارسة التدخين والسلوك العدواني واضطراب الهوية عند المراهقين. وأفاد السالمي أن المشكلات النفسية والسلوكية تنتشر بشكل كبير بين أطفال الأسر غير المستقرة عاطفيا أو ماديا أو اجتماعيا نتيجة لعدة عوامل، ونتيجة حتمية لتعقد ظروف الحياة الاجتماعية، وافتقاد الكثير من الآباء والأمهات للوقت الكافي للاهتمام بأبنائهم، وعدم إشباع رغبات الأطفال، أو الاعتماد على المربيات في التربية، مبينا أن أكثر ماتنتشر هذه المشكلات في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، أو في مرحلة المراهقة والتي في الغالب تكون في منتصف المرحلة المتوسطة. ولفت السالمي إلى أن هذه المشكلات تكتشف عن طريق المرشد الطلابي، مشيرا إلى أن غالبية مدارس جدة تحوي مرشدين طلابيين، مؤكدا على تزويد جميع المدارس التي لا يوجد بها مرشدون بمرشدي طلاب متخصصون في مجال الدراسات النفسية والاجتماعية، منوها بوجود برامج تأهيلية للمرشدين الطلابيين بشكل دوري، وأشار السالمي إلى وجود معلمين يعانون من مشكلات نفسية ولكن نسبتهم قليلة جدا ويتم تقديم التوصيات العلاجية المناسبة له. التفكك الأسري ولاتذهب رئيس وحدة الخدمات الإرشادية في إدارة تعليم البنات في منطقة مكةالمكرمة الدكتورة ميرفت الحارث برأيها بعيدا عن آراء من سبقوها بأن الأمراض النفسية بدأت في الانتشار بين كل الفئات ومنهم الفتيات، مرجعة هذه الاضطرابات للتفكك الأسري والعنف والكبت الذي تعاني منه الفتيات، إضافة لغياب وسائل الترفيه في المدارس، وفي المقابل تجد المنع والحرمان من كل شيء في المنزل. ولاحظت ميرفت أن معظم مشاكل الفتيات تبدأ منذ سن الطفولة ولاتجد الرعاية والاهتمام فتكبر معهم، مشيرة إلى أن كثيرا من الفتيات لايجدن في المنزل من يبثوا لهم الشكوى، فتظهر بعض المشاكل النفسية بسبب الفراغ الذي يعانونه. وأبانت ميرفت أن بعض الحالات تصلهم محولة من قبل المرشدات في المدارس أو من خلال استشارات هاتفية أو زيارات من قبل أمهات يحضرن بناتهن، وأكدت على ارتفاع الوعي في صفوف الطالبات والمعلمات وأولياء أمور الفتيات، مشيرة إلى أن قسم الخدمات الإرشادية في تعليم مكةالمكرمة يعتبر الأقدم على مستوى المملكة وعمره يمتد لسبع سنوات، منوهة بارتفاع الوعي المجتمعي تجاه العلاج من الأمراض النفسية في السنوات الأخيرة. ولفتت الدكتورة ميرفت إلى وجود لجنة تهتم بقضايا المعلمات من ضمنها الأعراض النفسية التي تنشأ بسبب المشاكل الأسرية والصدمات التي تتعرض لها، مؤكدة أن حالات قليلة يتم علاجها إما عن طريق الإخصائيات أو تحويلها للمستشفيات إذا دعت الحاجة. كبت الأطفال وهنا تؤكد عضو جمعية الطفولة والمستشارة النفسية والأسرية في لجنة إصلاح ذات البين الدكتورة سوسن رشاد نور إلهي أن معظم الاضطرابات النفسية التي تظهر لدى الشباب منشأها سن الطفولة، مؤكدة أن أكثر المشاكل النفسية التي تكون عند الطفل هي الكبت والذي يجلعه لايتحدث عما بداخله فتقوم الإخصائية النفسية بإخراج مافي داخله من خلال الرسم أو الكتابة تحت الصور، مشيرة إلى أن معظم المشاكل النفسية تتنامى في ظل السكوت وعدم المعالجة المبكرة لهذه الاضطرابات تجعلها تتراكم وقد ينفجر الشاب في سن المراهقة ويخرج مافي نفسه. ولاحظت إلهي أن معظم المشاكل تظهر بسبب التفكك الأسري وممارسة العنف تجاه الطفل فيمارس العنف ذاته على أقرانه، وإذا كبر الطفل فإنه يمارس هذا العنف إذا تزوج، مبينة أن ردة فعل الأطفال متفاوتة لأن لديهم قابلية للإصابة بالأمراض النفسية بينما يوجد أطفال لديهم مناعة، مشددة على أنه كلما اكتشف العرض النفسي مبكرا وتمت معالجته كان أفضل لمستقبل هذا الطفل. وحملت الدكتورة سوسن ألعاب الأطفال ومايشاهدوه في وسائل الإعلام من أفلام كرتونية وغيرها جزءا من المسؤولية في ظهور الاضطرابات النفسية من عدوانية وعنف، مطالبة وسائل الإعلام بضرورة إخضاع المواد التي تبث لأخصائيين نفسيين لمراقبتها، ومنع دخول الألعاب التي تشجع على العنف، ونصحت الآباء والأمهات بضرورة عدم إظهار الخلاف أمام أبنائهم حفاظا على أمنهم الصحي. وبرأ مستشار وزير الثقافة والإعلام المشرف على التلفزيون السعودي عبد الرحمن الهزاع المواد التي تبث في وسائل الإعلام السعودية، مبينا أن المواد التي تبث تخضع لرقابة شديدة، ولفت إلى أن الوزارة تتعاون مع وزارة التجارة في منع دخول المصنفات الممنوعة من مواد تشجع على العنف وخلافه، داعيا لضرورة تقوية الحصانة الذاتية، مشددا على دور الأسرة في تربية أبنائها تربية صحية وتهيئة مناخ إيجابي لنشوئهم. توصيات التحقيق 1 عمل دراسات بحثية ومسحية في كل مناطق المملكة للكشف عن حجم الأمراض النفسية وأسباب انتشارها للحد منها. 2 التوسع في افتتاح المزيد من المستشفيات والعيادات النفسية وتطوير وتحديث الموجود. 3 تأهيل كوادر للعمل في المستشفيات والتركيز على المتخصصين في علم نفس الطفل. 4 نشر الثقافة النفسية في المجتمع، من خلال حملة توعوية تشارك فيها وسائل الإعلام مع وزارة الصحة. 5 الترخيص لعدد من الجمعيات النفسية في المجتمع، وتخصيص جمعيات للأمراض الأكثر انتشارا. 6 زيادة عدد الأخصائيين النفسيين في المدارس والجامعات، مع أهمية عمل تقارير سنوية عن نسب الأمراض النفسية وأسبابها. 7 تثقيف الأسر بأهمية التعامل الجيد مع الأبناء، والبعد عن العنف في طريقة التربية وتقديم القدوة الحسنة. 8 عمل تأهيل نفسي لكل المقبلين على الزواج والمبتعثين لخارج المملكة. 9 تشديد الرقابة على ما يعرض في وسائل الإعلام من مواد مخصصة للطفل، مع مراعاة البعد عن تقديم مواد تساهم في الاضطرابات النفسية. 10 منع دخول الألعاب المصدرة للعنف والتي تترك في نفوس الأطفال آثارا نفسية. 11 تخصيص هواتف ساخنة لاستقبال الشكاوى النفسية يتولى الرد عليها الأخصائيون النفسيون. 12 العمل على ضمان حقوق المريض الوظيفية والمعيشية خلال فترات العلاج.