عندما حضرت يوم 17 رمضان المنصرم، الحفل السنوي التواصلي الثاني لإذاعة جدة، عدت بذاكراتي إلى العام 1368ه (1949م) حين أبصرت النور طفلة، حلوة، نضرة، سموها «الإذاعة» عيناها سوداوان، ونفسها بريئة، ورحلة عشقها طويلة، سكنت القلوب، واستحوذت على الأوقات، وأقبل عليها كل الناس، وحتى لما بلغت الرابعة والستين من عمرها، مازالت آذان الناس تزداد لها عشقا، وما زالت عفيفة، مترفعة، رصينة، عصية على النسيان، وما زال صوتها أحلى من تغريد الطيور، وما زال الناس يشترون من أجلها الأوراق والأقلام، ويسهرون معها. رأيت وجوها ممتلئة حماسا وثقة، تبحث عن الإبداع، وتستقصي، وتجد، وإذاعيون وإذاعيات بهذه المهارات قل أن يخفقوا، وشباب الإذاعة السعودية اليوم، هم شرايين يضخون في دمائها ما عجز عنه غيرهم، فليتهم يجدون مظلة أمنية اجتماعية، تقيهم مخاطر حاضرهم ناهيك عن مستقبلهم، ليتهم يجدون حدا أدنى من العناية، والرعاية، فهم يبلورون مشروعا ثقافيا، وهم الذين تقع على عاتقهم مهمة نشره، وتنظيم فكر المجتمع حوله. يخطئ من يعتقد أن الإذاعة المسموعة سادت فبادت، هي سيدة صالون تضع ساقا على ساق، تنتظر من يقرئها التحية والسلام، ومن يخطب ودها، فلا تتأبى، شريطة أن يظل وفيا لها، فهي لا تقبل شريكة، تصدم هدوءها، وتخل بتوازنها النفسي. ثبت من الدراسات العلمية أن الإذاعة المسموعة، أوسع وسائل الإعلام الجماهيرية انتشارا، فضلا عن أنها أكثر شعبية بين الناس كافة، وهي صديق صادق لا تخطئه الأذن، وترتبط بالدرجة الأولى بالهوية الوطنية، لكنها تواجه الآن مع الأسف تنكرا من بعض أهلها، إلى درجة تبدو معها وكأنها عبء عليهم، نسوا ماضيها وثقله، وقتروا عليها، بهرهم بريق الصورة، والأضواء، والأصباغ، والألوان، وجعلوا الإذاعة تمشي بين الناس على استحياء، فرفقا بها، أعطوها حقوقها وحقوق ناسها، وتأكدوا أنها خط الدفاع الأول، وصديق دائم أمين، وما زالت تقاتل، وحتى اليوم تبدو كم هي ضرورية، ومن السذاجة إغفال دورها في الحياة. وتيقنوا أنها خير لكم لو كنتم تعلمون. [email protected] فاكس: 014543856 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 106 مسافة ثم الرسالة