لم يكن يرتدي السترة السوداء الأنيقة وسروال الجينز ولا ملابس القتال ذات اللون الكاكي التي كان يرتديها في آخر ظهور تلفزيوني له في العاصمة الليبية طرابلس، فيما تحولت اللحية القصيرة إلى لحية سوداء كثيفة عقب فراره على مدى أشهر. لكن النظارة الطبية التي ترسم إطارا لعينيه الحادتين فوق ذلك الأنف المستقيم المدبب تفضح هويته على الرغم من تغطيته جزءا من وجهه بوشاح.. إنه سيف الإسلام القذافي. لقد أصبح سيف الإسلام الحاصل على درجة الدكتوراة من كلية لندن للاقتصاد والذي كان إصلاحيا تحول إلى أحد أدوات القمع الرئيسية للمعارضة لحكم والده الراحل معمر القذافي أسيرا الآن على متن طائرة نقل عتيقة تابعة للقوات الجوية الليبية قرب أوباري في عمق الصحراء. اإن الرجل الذي حاكم وسائل الإعلام العالمية في الأشهر الأولى من موجة انتفاضات الربيع العربي على متن طائرة متجهة إلى الزنتان قرب طرابلس في رحلة تستغرق 90 دقيقة. جلس مقطب الجبين صامتا وشاردا يعتني بيده اليمنى التي غطت الضمادات إبهامها وأصبعين آخرين. في أحيان أخرى كان يتحدث مع آسريه بل ويأخذ أوضاعا لتلتقط له الصور. وضعت النهاية لفرار سيف الإسلام قبل ذلك ببضع ساعات تحت جنح الظلام في منطقة صحراوية حين حاول بصحبة بعض مرافقيه الموثوقين شق طريقهم بين دوريات مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي الذين عقدوا العزم على منع هربهم عبر الحدود. وقال أحمد عمار وهو واحد من 15 مقاتلا ألقوا القبض على سيف الاسلام «في البداية كان خائفا جدا. كان يظن أننا سنقتله». وكان مقاتلون من كتيبة خالد بن الوليد وهي من الزنتان اعترضوا سيارتين رباعيتي الدفع تقلان الهاربين على مسافة 64 كيلومترا تقريبا في الصحراء. وقال عمار لكننا تحدثنا له بطريقة ودية وحاولنا تهدئته وقلنا له «لن نؤذيك». وكانت محاولة سيف الإسلام الفرار في 19 أكتوبر (تشرين الاول) الماضي تحت نيران حلف شمال الأطلسي من بني وليد على بعد 160 كيلومترا تقريبا من العاصمة. وقال مساعدون اعتقلوا في بني وليد إن قافلة سيف الإسلام قصفت في غارة جوية شنها حلف شمال الأطلسي في مكان قريب يحمل اسم وادي زمزم. منذ ذلك الحين سرت تكهنات بأن القبائل البدوية التي كان يرعاها والده ربما تعمل على تهريبه عبر الحدود الجنوبية لليبيا مثل أخويه وأخته ووالدتهم إلى النيجر أو الجزائر. وقال عمار إن وحدته التي تجوب الصحراء منذ أسابيع وصلتها معلومة سرية بأن مجموعة صغيرة من الموالين للقذافي لم تكن تعلم من هم سيتجهون على طريق معين نحو أوباري فانتظروا ليرصدوا السيارتين تمران تحت جنح الظلام. وقال عمار «أطلقنا النيران في الهواء وعلى الأرض أمامهم. أوقفوا السيارتين ربما ليظهروا أنهم ليسوا خائفين». يقول عادل علي أحمد قائد المقاتلين إنه حاول معرفة هوية الرجل الذي بدا أنه الراكب الرئيسي ضمن المجموعة وسأله «من أنت». جاءت الاجابة «عبد السلام». بدأ أحمد يتعرف على الرجل فانفرد بعمار وهمس له قائلا «أعتقد أنه سيف». عادا إلى السيارة وقال عمار «أعرف من تكون. أعرفك». انتهت المباراة. وقال أحد مقاتلي الزنتان إنه تمت مصادرة عدة بنادق كلاشنيكوف وقنبلة يدوية ونحو أربعة آلاف دولار كانت في السيارة.