كنت أريد الحديث في مثل هذه الأيام عن بهجة العيد وبساطته وصدقه في القرى والأرياف، لكنني صدمت بحالة خاصة واستثنائية وموغلة في الحزن والأسف. كان كل عيد يمر علي سواء عيد الفطر بعد رمضان أو عيد الأضحى بعد الحج، كنت أفكر دائما بالذين يرقدون في المستشفيات والعيد الذي لا يعيشونه ولا يحيونه وربما يلتقطون فقط بعض فرحته من وجوه زائريهم! كنت لا أتخيل كيف هو عيدهم حتى عشته أمس في مستشفى الملك عبدالعزيز في جدة مرافقا لوالدي أطال الله في عمره بعد أن قدر الله عليه بحادث انقلاب على طريق الليث. العيد في المستشفى مؤلم بآلام مرضاه وأنينهم لذا أدعو كل الناس في كل مكان من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالصحة والعافية أن يقتطعوا من وقتهم في صباحات أيام العيد نصف ساعة فقط أو أقل من ذلك ويخطفوا أرجلهم إلى هذا المستشفى أو ذاك يزورون المرضى الذين لا يعرفونهم يقدمون لهم الابتسامة والدعاء وحلاوة العيد.. وهو شيء لا يكلفنا كثيرا بل إننا سنثاب عليه من رب العالمين أجرا وانشراحا في الصدر وعافية في الأبدان بإذن الله. وأقول لأبي شفاه الله لا عيد لي بدونك، إنه أول عيد سيمر علي دون أن نصلي معا ودون أن أتوجه إليك بعد الصلاة كأول شخص أعايده وألثم جبينه وأقبل يديه الكريمتين، ولأول مرة.. لا أريد العيد ولا الحروف، لا أريد الكلمات ولا القصائد ولا الأغاني، أريد (أبي)، أحن إلى حنانك.. إلى قلبك يا أبي!! ولو كان لي يا أبي لأعطيتك صحتي وعافيتي وأخذت أوجاعك وكسورك بدلا عنك!! ماذا أقول أنا؟ هل (أهذي)؟ هل هي أوجاعك يا أبي التي أسمعها الآن تقودني إلى ما لست أدري، إلى ليل آخر لا فجر بعده، ليل طويل، يأخذني اليوم من كل الجراحات والعذابات إلى أين؟ ربما إلى (جحيم) جديد! ولكن هل هنالك جحيم لم أجربه ولم يجرب في عمق أذاه؟.. يجرحني أنينك يا أبي، لكنه أمر الله وربما الخير فيه أنك تعرفت على هؤلاء الشباب السعوديين الذين يقومون على خدمتك وتمريضك أنت وكل المرضى المنومين معك. تفاني هؤلاء وإخلاصهم كان سببا كبيرا في ارتفاع معنويات المرضى وكان أبي فرحا لأن الاستشاري الذي أجرى له العملية شاب سعودي يقال له الدكتور أحمد الفيفي وطاقم تمريض شاب يتقاطر فتوة ومهارة يتكون من وليد النعمي ومحمد عبده حكمي وهادي شتيفي. شباب سعودي يرفع الرأس والسعوديون رائعون لكنهم يريدون الثقة والفرصة ثم انظروا كيف يبدعون في كل مجال. وأقول لوزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة الذي زار مستشفى الملك عبدالعزيز يوم الأربعاء الماضي أن يضخ المزيد من الممرضين السعوديين في هذا المستشفى وغيره وأن يمدهم بمزيد من الإمكانيات وأن تمنحهم وزارته الثقة والامتيازات العالية لأنهم يستحقون فعلا ويقومون بعمل جبار وعظيم شاهدته بعيني ووقفت على تفاصيله مع كل المرضى وكنت أدعو لهم في سري بأن يمنحهم الله المزيد من الهمة والحماس والمهارة.. وهم يفعلون كل ذلك بمحبة ورضا نفس وطيب خاطر وكل ذلك ينعكس على ملامحهم ابتسامة لا تغيب. أحب هنا أيضا أن أشكر سمو الأمير خالد بن عبدالله رئيس أعضاء شرف النادي الأهلي أشكره على اهتمامه وأشكر عضو الشرف أمين عام المجلس التنفيذي الأستاذ أيمن عبدالغفار على متابعته الدائمة معي يوما بيوم منذ وقوع الحادث وحتى الآن، وهو شيء رائع يؤكد للإنسان أن الدنيا لا تزال جميلة، كما أنه شعور لن يشوهه (تلكك) الآخرين في تنفيذ أمر (ما) أو تعقيده وتمطيطه بما يعمق الإحساس بالإذلال حتى في العلاج! كل الشكر الجزيل أيضا لصديقي النبيل الفنان الحبيب «مشعل السديري»، وأقول له وللجميع كل عام وأنتم بخير. علي مكي