تداخل واقع الأمة أمام ناظري وأنا أطالع على شاشات التلفاز ملايين الحجاج على صعيد عرفات، وهم في أكبر وأضخم وأعظم تظاهرة، تجاوزت في أعدادها «مليونيات» الدول الشقيقة التي غيرت من تاريخها وحاضرها ومستقبلها، وتذكرت «مليونيات» مضت، وأخرى مازالت مستمرة في أقطار عربية تدعو إلى التغيير. مليونية الحجيج خرجت، وقد توحد شعارها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك. وتوحد هدفها: طاعة أمر الله، بحج بيته، وتوحدت مناسكها، لم نسمع فيها مزايدات حزبية، فكل المشاركين فيها هم عباد الله. اتفق المشاركون في شعائرهم وأهدافهم ومناسكهم، وتوجهوا جميعا في مليونيتهم لإعلان الخروج على إبليس اللعين، فرجموه ولعنوه، وأعلنوا أنهم لايدينون بالولاء ولا الانقياد له، ولا لأعوانه من الطواغيت، ثم واصلوا أداء شعائرهم، وحق لهم أن يفوزوا بوعد الله تعالى لهم، بمغفرة الذنوب، وستر العيوب، والأجر العظيم. فهل يأخذ أصحاب المليونيات والتظاهرات في الأقطار العربية الشقيقة العبرة والعظة من مليونية الحج الأكبر، فيوحدون شعاراتهم ويجتمعون على هدف واحد، لاتفرقهم الأهواء ولاتحركهم الدول الأجنبية التي لايروق لها أن ترى استقرارا وأمنا وأمانا في عالمنا الإسلامي؟! وهل يأخذ الحكام المتظاهر عليهم شعوبهم العبرة من هذا التجمع الكبير للمسلمين، ويسارعون بتصحيح مساراتهم مع أنفسهم ومع شعوبهم، قبل أن يرجموا من قبل أبناء أوطانهم كما يرجم إبليس اللعين على أيدي الحجاج، وقبل أن تصيبهم دعوات المظلومين الذين وفدوا إلى ضيافة الرحمن، ولجؤوا إليه يجأرون إليه بالدعاء والابتهال، راجين من القهار أن يقصم ظهر الطغاة، ويذل كبرياء الجبابرة، ويخذل كل ظالم؟! فلكل ظالم نهاية، وإبليس قد ظلم نفسه حين عصى ربه، فما بالنا بأبالسة الإنس، الذين ظلموا أنفسهم، وظلموا شعوبهم، وخربوا بلدانهم، وعاثوا في الأرض فسادا، فلم يكفهم نهب الثروات، ولا تبديد الخيرات، بل وجهوا نيران أسلحتهم إلى صدور أبنائهم، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، ولم يوجهوها يوما إلى أعداء دينهم، ومحتلي بلادهم. إن وحدة المسلمين التي نشاهدها في ملبسهم، وفي تلبيتهم، وفي نسكهم، بل وفي خط سيرهم، لتوحي لكل ذي عقل رشيد بإمكانية وحدتهم فيما سوى الحج، فطاعة الله تعالى ليست «موسمية»، بمعنى أنها لا ترتبط بحج أو عمرة وحسب، وإنما هي واجبة في كل وقت وحين، فكما أنها فريضة في الحج، فوحدتهم لمواجهة الظلم ورفعه عن البلاد والعباد فريضة كذلك. عبر وعظات لا تحصى في فريضة الحج، تغيب عن الأذهان، وننشغل عنها كعادتنا بالمأكولات والمشروبات، ونحن في أمس الحاجة للاعتبار والعظة، فلا ينبغي علينا أن نهتم بظواهر العبادات والطاعات، وإنما علينا أن نغوص إلى أعماقها، ونتأمل دقائقها وتفاصيلها، فما شرع الله تعالى لنا أمرا إلا وفيه الخير لنا في الدنيا، والثواب والأجر العظيم في الآخرة. فلتكن وحدة الشعوب، والأمة الإسلامية بأسرها، من تلك «المنافع» التي يشهدها الحجيج في مناسكهم، والمتابعون لهم في كل مكان، وليت حجاج بيت الله يعودون إلى أوطانهم وقد غيروا من ذواتهم وأنفسهم، حتى يوفقهم الله تعالى إلى تغيير واقعهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة