الحجاج سفراء أوطانهم التي وفدوا منها وحضاراتهم التي يتحدثون بلغاتها ويحملون قيمها ومبادئها فيمشون بها بين الناس وينشرونها في المؤتمر الإسلامي الكبير، يتوافدون من كل حدب وصوب تهفو أفئدتهم قبل أجسادهم وجوارحهم نحو الأرض المقدسة، يجلجل في قلوبهم نداء الخليل عليه السلام فيحزمون أمتعتهم في رحلة العمر تحدوهم أماني الطواف بالبيت العتيق وأداء الفريضة وزيارة مسجد نبيهم صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه غير آبهين لمشقة السفر أو لتكاليف الرحلة وإن استهلكت مدخرات أعمارهم بذلوها عن طيب خاطر فمن أحب أمرا لم يقايضه بأكداس المال.!، يتعارفون في تلك الأيام المعدودة ويتعاملون فيستحسنون السلوك المهذب والمعاملة اللطيفة وينسبون ما يواجهون من طيب أو سوء المعاملة إلى ذاك البلد أو تلك الحضارة على عادة الناس في تعميم أحكامهم، وإذا كان لنا في هذه البلاد أن نفخر بما خصنا الله به من خدمة الحرمين الشريفين والقيام على ضيافة الحاج والمعتمر فما أجدرنا أن نتمثل أخلاق الإسلام السمحة وشمائله الرفيعة في سلوكنا وتعاملنا بشكل عام وفي عنايتنا بضيوف الرحمن بشكل خاص إذ سيعود كل منهم بانطباع يحمله وذكريات خالدة يحتفظ بها عن أيام حجه، يرويها للأبناء والأحفاد وتبقى منقوشة في ذاكرته لا يتجاوزها الزمان ولا يقربها النسيان وإذا كانت الدولة لم تدخر جهدا في العناية بالمشاعر المقدسة وحسن عمارتها وتنظيمها حتى أضحت من أكثر مناطق العالم تألقا وإبهارا، أفلا يجدر اليوم بالشباب السعودي المتعلم المثقف والغيور على سمعة وطنه ورفعة اسمه بين الأوطان أن يبرز من لطف المعشر وطيب المعاملة ما يليق بشعب عريق يعتز بمكارم أخلاقه ويفخر بماضيه المجيد وبحاضره الزاهر، ما أعذب الكلمة الطيبة حين يطفئ رقراقها حمى الغضب وما أجمل الابتسامة الصادقة حين تفتح لها أبواب القلوب الموصدة، الحج فرصة ثمينة تتجدد كل عام للدعوة إلى الدين الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله سبحانه ولنشر قيم التسامح والاعتدال وقبول الآخر وإن اختلفت سنحات الوجوه ولكنات الألسن وسبل العيش ولعل من رفيع الأخلاق وجميل الإيثار لمن أدى الفريضة أن يعف عن مزاحمة الحجاج القادمين لأول وربما لآخر مرة امتثالا لتنظيم ولي الأمر واكتفاء بحجة واحدة كل بضع سنوات فأبواب الفضل كثيرة مشرعة للراغبين كإطعام الجوعى وإنقاذ الأرواح التي يتهددها الموت في البلاد التي حصدت المجاعات والأوبئة والكوارث شعوبها وأيتمت أطفالها. [email protected]