اندلعت في مجلس الأمن فجر الثلاثاء الماضي، مواجهة دبلوماسية عنيفة بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية من جهة أخرى، وانتهت الجلسة بميل الكفة لصالح النظام السوري على الدبلوماسية الغربية الساعية لمزيد من الضغوطات والعقوبات على النظام. وأكد الحليف العتيد روسيا ومن بعدها الصين، من خلال استخدام حق النقض «الفيتو» ضد مشروع إدانة النظام السوري، أن أية محاولة لإدانة النظام هي انتقاص للنفوذ التاريخي لروسيا والصين في الشرق الأوسط. لقد شكل الفيتو الروسي والصيني ضد مشروع إدانة سورية، صدمة كبيرة للعالم ولكل المراقبين الدوليين، ففي الوقت الذي يرزح فيه الشعب السوري تحت وطأة العنف المفرط وبطش الجيش في أكثر المناطق، تقف روسيا والصين بمبررات «أمنية» ضد إدانة هذا النظام، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد. إذ أن العالم بدأ يقف بشكل جدي إلى جانب الشعب السوري، بشكل أكثر مما كان عليه. والبداية من الجارة تركيا، التي أصرت عشية التصويت في مجلس الأمن على فرض عقوبات على سورية رغم إحباط أي إجراء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وعد وبحزم بتحرك ملموس في إطار فرض عقوبات من جانبه. وقال أردوغان: « بالطبع الفيتو .. لا يمكن أن يمنع العقوبات. سنطبق حزمة من العقوبات بالضرورة». أما الموقف الفرنسي الأكثر وقوفا إلى جانب الشعب السوري، فقد كان انفعاليا امتزج فيه الطابع الإنساني، وهذا ما بدا واضحا من لغة وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الذي قال في تصريح صحافي عشية فشل مجلس الأمن في التصويت ضد سورية: « إنه يوم حزين للشعب السوري، ويوم حزين لمجلس الأمن»، وأضاف تعليقا على الموقف أن فرنسا ستواصل دعم «القضية العادلة» للسوريين الذين يناضلون من أجل الحرية. أما الموقف الأمريكي، الذي أخذ لغة صارمة في مجلس الأمن. حيث عبرت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس عن غضب واشنطن من الفيتو. وأضافت قولها «إنه حان الوقت للمجلس أن يتبنى فرض عقوبات صارمة موجهة على دمشق». وليس غريبا على مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد بثينة شعبان قولها في مقابلة صحافية إن الأممالمتحدة شهدت «يوما تاريخيا» مع استخدام موسكو وبكين حق النقض لوقف مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى «إجراءات محددة الأهداف» ضد النظام السوري. إذ يعتبر هذا التصويت ضد قرار العقوبات، بمثابة رصاصة الرحمة بالنسبة إلى النظام السوري، وهو ما بدا واضحا من شعبان التي قالت فيه «إنه يوم تاريخي لأن روسيا والصين كدولتين وقفتا إلى جانب الشعوب وضد الظلم». لكن الأمر لم ينته بعد، فالروس وسط تصويتهم ضد مشروع إدانة سورية في مجلس الأمن، إلا أنهم يعملون على الإمساك بالعصا من الوسط، وفي هذا الإطار أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش أن بلاده ستستقبل مندوبين عن المعارضة السورية خلال الشهر الجاري. الأمر الذي يعكس حيرة الروس في اتخاذ موقف محدد حيال الأزمة السورية، فهي لا تريد أن يتكرر ما حدث في ليبيا، حينما كانت تعارض وبشدة أي عمل عسكري ضد النظام الليبي، وترفض رحيل القذافي، إلا أن التحالف الدولي بقيادة الناتو نجح في طرد القذافي، وبالتالي طرد روسيا من المسرح الليبي. هذه الصورة تشكل كارثة سياسية للسياسة الروسية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين التي أبدت رغبتها في استضافة شخصيات من المجلس الوطني السوري. لكن مراقبين يرون أن المسألة لم تنته بعد، إذ لا يمكن للمسؤولين الروس ولا الصينيين، الوقوف في وجه النداءات الدولية والإنسانية المطالبة بوقف العنف والقتل من قبل الجيش السوري بحق المدنيين، ويرى المراقبون أن تواصل حملات القتل في سورية، ستجبر في الوقت القريب روسيا على تغيير موقفها من نظام الأسد.