عندما استخدمت السعودية سلاح النفط أثناء حرب أكتوبر 73م، فإنها كانت تدرك أنها بصدد الدخول في مغامرة كبيرة قد تخسر بسببها حليفا هو الأهم في ذلك الوقت. لقد كانت خيارات التحالفات السياسية والاقتصادية أمام المملكة وقتها محدودة في عالم ثنائي الأقطاب فخسارة الحليف الأمريكي كانت ستعرض المملكة لخطر المد الشيوعي. ومع ذلك كان الملك فيصل شجاعا وهو يبدي استعداده للعودة إلى حياة الصحراء والتضحية بالنفط مقابل عدم الرضوخ لتهديدات كيسنجر. لكن الصورة تختلف تماما اليوم. ففي عالم متعدد الأقطاب أو في عالم ما بعد أمريكا كما أسماه الكاتب الأمريكي فريد زكريا لا يبدو التحالف مع أمريكا بالقيمة نفسها التي كان عليها في الماضي بل تبدو القوى الجديدة كالصين والهند و البرازيل وتركيا والدول الأوروبية التي تتبع خطا مستقلا عن أمريكا خيارات أفضل اقتصاديا و «غير مضرة» سياسيا. الأمير تركي الفيصل وعبر مقالته في النيويورك تايمز الشهر الماضي قال لأمريكا وبلغة واثقة بأنها قد تخسر الحليف السعودي إذا أصرت على استخدام الفيتو ضد التصويت لصالح الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة. وفي الواقع لن تكون السعودية مهددة بالعودة إلى الخيام وحياة الصحراء في حال أصرت أمريكا على دعمها للصهاينة. فبوصلة الاقتصاد السعودي تتجه بسرعة كبيرة نحو القارة الآسيوية استيرادا وتصديرا. وهذا ما سجلته مجلة الإيكونومست مؤخرا، مشيرة على سبيل المثال إلى أن نصف صادرات النفط السعودي تتجه إلى القارة الآسيوية مقابل 14% فقط إلى أمريكا إضافة إلى انخفاض حجم الواردات السعودية من أمريكا مقارنة بالصين. وحتى من ناحية صفقات السلاح التي تعتمد فيها السعودية على الشركات الأمريكية فإن إلغاء هذه الصفقات سيؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الأمريكي الذي تشكل شركات الأسلحة أحد ركائزه القوية.. هناك بوادر على أن حالة الركود في القضية الفلسطينية لن تستمر طويلا فالتحرك باتجاه الأممالمتحدة وربيع الشعوب العربية كلها عوامل تدل على أن هناك ثمة تغييرا في توازنات القوى في المنطقة وعلى أمريكا أن تدرك بأن العالم العربي الجديد لن يحتمل تحالفا لا يراعي مواقف الدول الاستراتيجية.