قالوا قديماً (مهما حددنا طريقنا واخترناه فإننا سنجد من يقول لنا إننا نسير في الاتجاه الخاطئ، وسيحاول هؤلاء إقناعنا بالصعوبات والعثرات التي ستواجهنا في هذا لاختيار، إلا أن إصرارنا على الاستمرار في هذا الطريق يحتاج منا إلى شجاعة ومقدرة متى ما كان لدينا اليقين بأنه الأفضل)، تذكرت هذا القول، أثناء تأملي للعديد من النصوص للشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، ومنها نص (ناي)، حيث يتقاطع (الطريق) في نصوص شاعرنا، فدلالة هذه المفردة لديه عادة ماتكون متمثلة في الجسد وما يعتريه من آلام ومعاناة ومتاعب، وتتجلى هذه المفردة في العديد من النصوص التي قدمت في مشوار الأمير بدر بن عبدالمحسن الحافل بالأعمال الناضجة، ومن بين تلك الأعمال (نام الطريق يا عيوني أنا) التي غناها الفنان الراحل طلال مداح، كما هذا الطريق موجود أيضا في قصيدة (ما ينقش العصفور في تمرة الغذق) التي حملت عنوان ديوانه الأول الصادر عام 1989 م، حين يقول: عضيت أنا أجساد الحروف الواضحة يا أخت الطريق عضيتها صدق الشفاة الناضحة شهد وشري وهناك أيضا دلالات أخرى، على (الطريق أو الشارع) في قصيدة بدر بن عبدالمحسن، حين يقول في النص الذي لحنه الفنان طاهر حسين، الذي يقول فيه: متى الشوارع تجمع اثنين صدفة لصار شباك المواعيد مجفي الله يكفي .. الله يكفي ونحاول هنا البناء على أن الشاعر يرسم من خلال هذا الطريق مساراً واضحا يؤكد فيه أن الطريق هو العالم الحقيقي للإنسان وفيه يرى ويلمس ويعاني ويحب ويلتقي ويكره ويغامر، وهو الدرب والعالم الذي أراد الأمير بدر إيصاله عبر مفردة (الطريق) ومشتقاتها من (شارع ..درب) أو ما خلال المعالم النابضة فيه من ( أسوار وحواجز). وفي نص أغنية (ناي) التي تغنى بها الفنان كاظم الساهر من كلمات وألحان الراحل الفنان محمد شفيق، وهي الأغنية التي سبق وأن لحنت من قبل من الراحل الفنان طلال مداح وتغنى بها ابنه (رأفت طلال مداح)، في هذا النص يحضر (الطريق) ويعصف بالصورة الشعرية ويبرز حجم المعاناة، لينساق الشاعر وراء الفكرة وظلال الحزن التي تخيم عليها، بين العتمة والنور، ليسير الهم معبراً عن تلقاء نفسه، تاركاً التعب يهدر بعفوية المحب: في الشارع .. عتمة ونور زحمة .. وإشارات المرور تاقف على انفاس الطريق مشيت أنا .. وهمي العتيق ولأن الناي، لغة حزينة جميلة منفردة، فقد كانت حاضرة في النص وأساسه وعنوانه، فكانت الصوت الآخر المناجي، صوت المرأة التي سكنت النص بعذوبة الناي ورقته، لتنهض الجسد (الطريق) المتعب وتلفت الانتباه إليه، وتحدد مساره من جديد: ناي .. في صوتها ناي غنى وجرحني الشجن دقات قلبي .. وقفن.. وخطاي. إلا أن الزمن يتحد مع الطريق، ليشكل اللحظة التي تحدد المسار، وتعيد ترتيب الأوراق، ويصبح للحياة بريقها ووهجها من جديد بعد سحابات من التيه والخطوات المتعبة، لتكون بداية لمرحلة أخرى يتوقف فيها الزمن ويسلم زمام أموره للطريق (الجسد) الروح الحياة: قالت وش الوقت ناظرت ليل اعيونها وصبح الجبين ومرت ثواني صمت وقتل الزمان .. انتي وكوني اللي تبين. ومن يومها ما عاد أناظر ساعتي وش حاجتي أعد الزمن وهي الزمان الجاي.