أسبغ حديث صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، إبان تشريفه مأدبة عشاء في دار فقيه في مكةالمكرمة، على مفهوم أمن المملكة حالة تكريسية أشمل، ليأخذ منحاه المتكامل المناهض لأشكال التهديد كافة، مستدعيا مبدأ الأمن المتبادل الذي تنصهر في بوتقته مقومات الأمن المجتمعي، المتسق في ماهيته وقدرة الدولة ممثلة في رجل أمنها الأول، أي المواطن في كل مكان، وأجهزتها المتماهية مع القدرة الجمعية على الاستمرار والمحافظة على مرجعياتها وثوابتها، في سياق من الظروف المتغيرة والتهديدات القائمة أو الممكنة. وعلى نحو أكثر سبرا، فإن حديثه يتعلق بالإحساس الواقي الكلي بأن هناك استهدافا استدلاليا، بمكونات العقيدة، الهوية، الثقافة، العادات. وبأن استفحال مجموع التهديدات لا يشطب من أولويات الحرص والتيقظ، إلا في ظروف مقبولة من «التكاتف والتعاون» الجمعي في بلاد دأبت على كتابة التاريخ وليس قراءته. من ثنايا حديث الأمير نايف بن عبدالعزيز، يكمن المعنى الجلي بأن النسيج المجتمعي المستهدف للمملكة يجترح ضرورة الأمن التعاوني، أي تبادلية الأعباء الأمنية لاحتواء التهديدات، عطفا على مبدأ «رجل الأمن الأول هو المواطن». وهنا، يتجاوز الأمر ومغزاه حدود التسميات، متكاملا والحدود التقليدية لمفهوم دور الدولة السيادي. وإن توخينا حرصا، عمد النائب الثاني إلى استنباط استبانة واقعية لخطورة التحديات التي تواجهها المملكة من حولها، والتي لا يقف مداها عند حد التهديدات الأمنية، كطموحات إيران النووية وتدخلاتها في الشأن الخليجي الداخلي، والأزمة السياسية في العراق وتداعياتها، والاحتجاجات التي تشهدها المنطقة، وتعثر عملية السلام، بل تتجاوزها إلى تحديات أكثر خطورة قد تتقاطع والمنجز التنموي الحضاري للبلاد، ومن ثم على أدوات نهوضه المتسارع، فضلا تباينه والتوجه السعودي الداعم أبدا للقضايا العربية والإسلامية في عالم يصطخب بالتفاعلات والمستجدات المتواترة، وما تشكله من تحديات إضافية، وفي القلب منه المملكة. وضعنا الأمير نايف بن عبد العزيز في حديثه، أمام ارتباط الأمن في منظوره التقليدي بكيفية استخدام الدولة لأدواتها في إدارة الأخطار التي تتهدد وحدتها الترابية، واستقرارها السياسي وذلك في مواجهة التهديد الآتي من خلف الحدود. وهكذا، فإنه بهذا المغزى، يصبح الأمن مرادفا للمصلحة الوطنية، وكيفية تعزيزها بالاعتماد على القوة في شقها الاجتماعي، مستدعيا في هذا الصدد حقيقة أن الجهد الأمني تطور في إطار المدرسة الواقعية التي كانت ظروف ما قبل 11 سبتمبر غير مواتية لها لاحتكار هذا الحقل المعرفي. ومن الناحية الموضوعية، ينضوي حديث الأمير نايف بن عبد العزيز على أن الأمن مفردة جوهرية في صياغة المنجز الاقتصادي، إذ أفصح: «نحن نعيش استقرارا وفي تقدم اقتصادي»، فهو بذلك يومئ إلى أن الطريق إلى مجتمع الرفاه يمر عبر بوابتي الأمن والاقتصاد، فيظل بذلك الأول هو المحبس الحارس للثاني، بل يفوقه، فإن كبا الاقتصاد فذلك ليس شرطا لافتقاد الأمن، أما إن غاب الأمن فستنحدر كل المعادلات الاقتصادية. أتى حديث النائب الثاني في مكة كحالة تقويمية لتأثير وتأثر بالتطورات الأمنية، السياسية، الاستراتيجية، الاقتصادية، والاجتماعية الداخلية والخارجية، وهو بذلك استشرف أن معادلة الأمن والاقتصاد في المملكة، وبحسب طبيعة الظروف والأوضاع الداخلية والخارجية، هي معادلة متعددة الأطراف، بمعنى أن صياغة هذه المعادلة تتضافر فيها إرادة الدولة وإرادة المواطن.