هذا هو رمضان في كل عام هي ذاتها الأحاديث وهي ذاتها الأشياء التي «تعكر صفوه» و«تجرح قداسته» وهؤلاء هم «البشر» لن نرغمهم ليستشعروا روحانيته وأريحيته بالقوة إنما ننشر الوعي وندعو بالهداية ونستعرض شيئا من «صور التكافل والتضحية» التي غابت عن الأذهان لنحفز النفوس ونخبر الجميع بأن رمضان لازال ينتظر ولازالت أرواح طيبة تتحرى هلاله لتحلق في ملكوت الله وتحوم في السماء السابعة ترى مجالسهم عامرة تحفها الملائكة فأحاديثهم ذكر ودعاؤهم ابتهال وأفعالهم صدقة واعتكاف وأمنياتهم الجنة ومع ذلك لم ينسوا حظهم من الدنيا. وأنا هنا لا أنكر أننا افتقدنا شيئا من «السمات الرمضانية» لكننا أبدا لم نفتقر «للملامح الإيمانية» فإن كان للبعض ترفيه ودراما وتنوع في الموائد وتجول في الأسواق ومباهاة في المشتريات فإنه يعني للكثير الاتصال بالخالق والبذل بسخاء. ربما سيئاتنا تملأ المكان لكن «حسنتنا» تصل السماء وتملأ الغمام ويضاعفها الرب أضعافا مضاعفة فنحن نطرح الخير والبركه أينما حللنا ولا نبرح إلا والدعوات تصاحبنا نحن «إنسانيون بلا حد» والطيبة تغمرنا والمروءة والنخوة لم تندثر من ذواتنا. قد تكتظ المتاجر بالباعة والمشترين فضلا عن المتجولين لكنك في المقابل تجد من يزاحمهم لا ليملأ أرفف داره ولا لينوع الأصناف على مائدته إنما ليجود على محتاج وينفق على فقير ويحن على يتيم ويسد رمق جائع ويغيث ملهوفا. تطل على المطبخ فترى المراهقات فضلا عن الراشدات يتسابقن في إعداد الإفطار فهذه تعد الشوربة وتلك تخبز الفطائر وأخرى تصنع الحلوى فاليوم الإفطار من نصيب المسجد وغدا للسائقين في الحي وبعد غد للعاملين في المنزل المجاور فيغمرك الحماس لتشاركهم وحينما تهم بالإفطار ستذكر أن هناك من ما كان ليضع اللقمة في فيه لولا أن من الله عليك والهمك أن تجود به عليه بلا منة أو إذلال. وكم هو منظر رائع قبيل الغروب حينما ترى الفتيان الصغار وقد طافوا في الأحياء كل منهم يحمل طبقا ليذهب به لجار أو قريب. وطيلة العام هل سبق وأن اجتمع أهل البيت الواحد على مائدة واحدة كما يحصل الآن على مائدة الإفطار! في رمضان تستشعر الحقائق وتصقل الضمائر وتجلى القلوب هو فرصة مميزة لننفك عن القيود والموبقات والمغريات حينما يأتينا بهدوء لنغتسل من الأوجاع ونتخلص من الشكوى ونبادل ربنا النجوى ونتقرب إليه أكثر ونجدد إيماننا به. رمضان معناه أن تكون «إنسانا بالفطرة» بما تعنيه الكلمة لا شأن لنا بضجيج المسلسلات وصخب المسابقات وأسعار المأكولات هو يأتي في كل عام بنداء الإله «يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر» وأنت لك الخيار أي النداءين تختار إما أن يشتد بك الحنين وتشتاق للكعبة فتقطع «900 كيلو بحثا عن رحمة» أو تبقى في مكانك تبث الطمأنينة والسكينة فيمن حولك أو يكون رمضانك كشعبانك كسائر أيامك ليس لك نصيب منه سوى الحسرة. من وحي الأرض: ما أجملك رمضان حينما تعبر بنا ضفاف الإيمان على مراكب القداسة لتحط بنا في مرافئ الرحمة! إيمان عبدالله الحصين