لا يحتار زوار جدة القديمة كثيرا في اختيار المذاق الشعبي للأكلات الرمضانية التي تعود عليها الأهالي منذ القدم، ففي المنطقة التاريخية في جدة «وسط البلد» يتحول شارع قابل أشهر الشوارع في هذه المنطقة إلى بسطات رمضانية تبيع الكبدة والبليلة الأشهر طلبا من الزبائن والتي يتفنن فيها البائعون كما يتفننون في اختيار مكوناتها، ولأنها مكونة في الأساس من الحمص إلا أن التفنن في نوعيته وحجمه وتقديمه، حيث يقدمه البعض بالبيض والخل والبطاطس المسلوقة مع بهارات وخل تستخدم لهذه الأكلة الشعبية التي تستهوي الكبير والصغير ويشد إليها الرحال رغم زحامة السير وتكدس منطقة البلد بالزائرين والعمار والمقيمين والمتأملين ليالي البلد العتيقة وبيوته الشامخة برواشينها الفنية التي استلهمت الفنانين التشكيليين وكانت أحد مكونات لوحاتهم الفنية كما يتضح ذلك في أعمال الفنان سعيد العلاوي التي امتازت أعماله بالرواشين وعرف بها في الوسط الفني. عند الوصول إلى المنطقة التاريخية في جدة تلمس في جانب من جوانبها التحسينات التي حظيت بها من قبل بلديتها التي يشرف عليها ابن البلد المهندس سامي نوار، هذه المنطقة التاريخية التي ينتظرها غد مشرق، لا تنام ليالي رمضان حيث تسمع عند وصولها الصيحات من لابسي العمم الحجازية وهم يدعونك إلى جلسات الكبدة والآخرين الذين ينادونك «بليلة بللوكي» مرحبين بزوار هذه المنطقة الأشهر في جدة تاريخا وثقافة والتي كتب عن دهاليزها الراحل محمد صادق دياب والدكتور عبدالله مناع وغيرهما، وهذا ما جعل كثير من الزائرين الغربيين يرتادون هذه المنطقة ويتعرفوا على تاريخ جدة من خلالها، وهذا أيضا ما يجعلك لا تستغرب وجود قنوات إذاعية وتلفزة ترصد نشاطاتها الرمضانية وتجري لقاءاته مع بائعي الكبدة والبليلة. والجميل في المنطقة التاريخية أنها عنوان الأكلات الشعبية للراغبين فبسطاتها الرمضانية قريبة للناس ببساطتها مما يجعلك أمام متعة بصرية نادرة الوجود، وكم هي لحظة المتعة وأنت تتناول صحن الكبدة أو طبق البليلة في هذه الأجواء السحرية حيث يشعر مرتادو البسطات الشعبية، وهم جالسون يتناولون ما يريدون من الأكلات الشعبية كما لو أنهم بصدد قضاء نزهة مريحة، يستمتعون فيها بحركة الناس وأصوات الباعة. يقول العم معتوق الشريف بائع البليلة الأشهر في المنطقة التاريخية: «منذ نعومة أظافري وأنا أمارس هواية بيع البليلة وأقدمها لزائري جدة»، وأضاف «ليس حبا في المال وحده بل حبا في تشجيع السياحة لهذه المنطقة وأحياء التراث الذي عرف عن هذه المنطقة». ويرى الشريف «البلية أنواع ومذاقات، فكل بائع له طريقته في تحضير البليلة وتقديمها للزائرين». وعن علاقته بالمنطقة التاريخية يقول: «اعشقها كعشقي لأولادي». الإعلامي المعد في إذاعة جدة سمير بخش رأى أن المنطقة التاريخية في جدة لها تاريخ طويل مع الثقافة فهي عرفت بوجود «المركاز» الذي كان يجلس عليه المثقفون والروائيون وعشاق البلد، وأضاف «الأكلات الشعبية هي جزء من ثقافة جدة»، مبينا أنه يصحب أبناءه للمنطقة التاريخية لاستشعارهم بما كان يعيشه الأجداد والآباء. ولفت بخش «كان الحكواتي يسرد القصص التاريخية في المنطقة التاريخية، لذلك فإن الاهتمام بهذه الأمور جزء من الاهتمام بالثقافة»، وبين «مازلت في ذاكرتي الشيء الكثير من القصص والأجواء التي كانت في هذه المنطقة، وهذا ما حاول رصدها للمستمع عبر البرامج الإذاعية التي أعدها في إذاعة جدة».