رغم اعتزاله الكرة منذ أمد بعيد وبالتحديد موسم 1393ه، إلا أن سيرة نجم الوحدة وحريف الكرة سعيد لبان لا زالت على لسان كل الرياضيين، وخاصة الذين عاصروه وكانوا شهداء على عصر الداهية الكروي، والذي أجمع الرياضيون عليه أنه الأميز مهارة والأكثر قدرة على تطويع الكرة كيفما يشاء وحسب ما تقتضيه مصلحة الفريق، فالذين كانوا يتابعون ركضه يتمنون أن يحتفظ بالكرة بين أقدامه للاستمتاع بمهارات اللبان. عانى اللبان من متاعب وتبعات السرطان الذي فتك أولا بإحدى كليتيه مما اضطر الأطباء إلى استئصالها، وقد كان يراجع المستشفى بين الفينة والأخرى وشهدت أوضاعه الصحية نوعا من الاستقرار، ثم ما لبث أن انتشر المرض سريعا في سائر جسده حتى توفاه الله في شهر رجب الماضي. يصف شقيقه لطفي لبان اللحظات الأخيرة التي ودع فيها رفيق دربه الحياة، «استمر سعيد يراجع المستشفى طوال الفترة الماضية بسبب ظروفه الصحية و تم استئصال إحدى كليتيه واستمرت أحواله الصحية بين مد وجزر حتى قربت ساعة وفاته وحانت لحظة الوداع، والتي قبلها ببضع ساعات كنت متواجدا في منزله للاطمئنان عليه فكان حديثه حديث المودع، فقال لي: «يا لطفي عمري الآن 69 عاما وأتمنى أن أختتم حياتي بخير». بداية المشوار كانت بداية اللبان في نادي الوحدة سنة 1384ه، قادما من فريق العلمين، وكاد أن يخطفه الأهلاويون إلا أن والده أجبره على التسجيل للوحدة دون أي مقابل مادي. يذكر سهل أن والده اعتزل الكرة مبكرا في سن 28 عاما تقريبا بسبب آلام القرحة، وبعد الاعتزال كان يتهرب ويتعمد عدم مشاهدة مباريات فريق الوحدة لعدم تحمل أعصابه خسارة الفريق، وكان مستاء جدا من وضع الفريق الوحداوي خلال السنوات الماضية. وأشار سهل إلى أنه رغم اعتزاله إلا أنه لا زال محتفظا بلياقته البدنية وبترسانة مهاراته الكروية «حين يشاركنا في مبارياتنا في الحارة أو خلال النزهات كان يتعبنا كثيرا في الركض خلفه». ويتحدث المهندس خالد بن محمد هلال الأخ غير الشقيق لسعيد لبان قائلا «كان سعيد من أبر الناس بوالديه وجاء انضمامه للوحدة بناء على طلب والده، وقال عنه رائد الرياضة الأول صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل (أستمتع بلعب سعيد لبان في الملاعب)، ومن فرط إعجاب سموه بأداء سعيد أهداه تلفزيونا حين انطلق الإرسال التلفزيوني في المملكة». وأضاف قال عنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن سعود رحمه الله «سعيد لبان أفضل صانع لعب في الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم»، وقال عنه رفيق دربه اللاعب الفذ سعيد غراب «سعيد يقطع أي دفاع كما تقطع السكينة التورتة»، وهناك لاعب سابق يسمى بالمسك، وكان يحب سعيد غراب حتى النخاع حتى إنه كان يفاضل بين السعيدين، ويقول بأن سعيد غراب أفضل من سعيد لبان، ولما بلغ ذلك سعيد غراب قال له «سعيد يستطيع أن يلعب فريقا كاملا، وأنا ألعب بفريق يعنى عبد الله بكر، أيام الثنائيات، وهذا هو تواضع الكبار». قالوا عنه يقول النجم السابق سليمان بصيري «شاركني اللبان ابتداء من سنة 1384ه، واللاعب كما يعرفه الجميع في ذلك الزمن ساحر كرة يبهرك بعطائه ويشدك ذكاؤه ويجبر المشجعين على الوقوف احتراما لموهبة هذا اللاعب والذي يجيد أيضا فن الترقيص الكروي ويمارس اللعب بكل حرافة مطلقة، هذا بخلاف تمكنه من مراوغة لاعبي الفرق المنافسة في أرجاء الملعب، ولا ننسى الكباري التي يصنعها للمدافعين ويجعلهم عرضة لسخرية الجماهير والضحك عليهم، وخلاصة الموضوع أن اللاعب سعيد لبان أسطورة كروية ورغم اعتزاله منذ 39 عاما إلا أننا لم نشاهد لاعبا في مستوى مهارة وذكاء وإبداع اللبان». النجم السابق كريم المسفر يقول : «لعبنا معا بضع سنوات وكان لنا شرف المساهمة في تحقيق فريق الوحدة لبطولة كأس الملك سنة 1386ه أمام الاتفاق، وبعد أن غادرت إلى أمريكا لظروف الدراسة اعتزل هو في نفس العام، فاللاعب يرحمه الله يمتلك الكثير من أدوات التفوق الكروي من مهارة فائقة في التحكم بالكرة يطوعها كيفما يشاء يجعل الجماهير واللاعبين معه أو المنافسين يستمتعون بأدائه الخارق، أضف إلى ذلك تمكنه الكبير في المراوغة بأقصى سرعة وقدرته على تسجيل الأهداف من أوضاع مختلفة ومقدرته من صناعة الأهداف للمهاجمين بكل يسر وسهولة، ومن أبرز قدراته الكروية أيضا إجادته لمهارة الاحتفاظ بالكرة بين قدميه مما يصعب من مهمة اللاعبين المنافسين استخلاص الكرة منه، وشهادة حق أن اللاعب سعيد لبان ورغم السنوات الطوال على اعتزاله الكرة لم يأت اللاعب الذي يملأ العين بمثل إبداعات اللبان وروعة ألعابه وذكائه الكروي. لمفون : اللبان طراز نادر وظاهرة كروية لم تتكرر زميله في العصر الذهبي عبد العزيز لمفون يتحدث عن الفقيد بقوله : «سعيد طراز نادر وظاهرة كروية لم تتكرر في الملاعب السعودية حتى الآن وقد شاركت معه ابتداء من سنة 1386ه، عندما جاء من فريق العلمين وكنا نصغره سنا ورغم نجوميته الكبيرة إلا أنه مثالي في تعاملاته مع جميع اللاعبين، فكان يوجهنا ويشجعنا ويرشدنا للعب السليم، ولا أتذكر أنه تحصل على البطاقات الملونة بسبب لعبه الراقي ورغم حرص مدافعي الأندية على ضربه إلا أنهم لم ينجحوا حتى إنه غادر الملاعب ولم يصب بأية إصابة لقدرته على المراوغة وتفادي الإصابة بسبب خفته». السكين والتورته ووصف المهاجم السابق سعيد غراب الفقيد سعيد لبان بأنه نجم كبير ولاعب بارع في المراوغة وأشار أنه كان (يجرجر) دفاعات الفرق المنافسة ويسحب معه اللاعبين في هجمة واحدة ويمشي في الدفاع كما يشاء تماما مثل السكينة عندما تسير في تورتة كيك وشكل مع زميليه محمد لمفون وعبد الله أبو يمن ثلاثيا خطيرا في صفوف فريق الوحدة في الثمانينيات الهجرية وأراه ضمن أفضل عشرة لاعبي وسط لن ينساهم تاريخنا الرياضي مع كريم المسفر ومحمد حسام الدين (القملة) ودحمان السلوم (رحمه الله) وزيد المطرف وبفلح وحسن دوش ومبارك عبد الكريم وسلطان مناحي وخليل الزياني. مهارات وإبداعات وامتدح عضو مجلس شرف نادي الوحدة محمد غزالي يماني مهارات وإبداعات اللبان «لبان على الكرة أكثر إعجازا من عزف فريد الأطرش على العود، والكل في ذلك الوقت يختلق حكايات عن سعيد لبان وعن مهاراته والعوامل التي ساعدت على حب سعيد لبان ووصف إبداعاته الكروية، والحقيقة لم أر في حياتي لاعبا أوتي مثل قدرة سعيد لبان في المراوغة ودقة التمرير، وأتذكر أن اللاعب كعدور أحد أبرز لاعبي دفاع الاتحاد .. وقبل ذلك كان في الوحدة فذهب إلى الاتحاد ثم تحدث في مقابلة صحافية أنه سوف يوقف سعيد لبان عند حده، وكان ذلك في عام 1387ه .. وعندما التقى الوحدة بالاتحاد كان سعيد لبان يأخذ الكرة ويذهب للكعدور وسط المباراة وعندما يهرب الكعدور بعيدا كان اللبان يذهب إليه ويتحداه وأضحك الجماهير عليه كثيرا، وهذه من المواقف التي تدل على مهارة اللبان النادرة». وأضاف «أتذكر أن سعيد لبان كان طويلا وفوق 180 سم، وكان سريعا ومن أبطال العدو في مدارس مكة، وكذلك من أبطال القفز العالي ويجيد لعبة كرة السلة والطائرة واليد وتنس الطاولة ويشارك فيها جميعا، واللاعب الذي يلعب بجوار سعيد لبان من الوحدة يعتبر لاعبا محظوظا، فاللاعب عبد الله أبو يمن كان يلعب مدافعا في نادي الوحدة وأهم ميزة له هو سرعته، فكان يسابق البرق فيسبقه ثم لعب بجوار سعيد لبان من عام 1386ه، حتى اعتزل الكرة وقد جعل منه سعيد لبان هداف الدوري لعام 1386ه وعام 1387ه ومن مميزات سعيد لبان أنه كان شخصا ذكيا جدا .. كان يقرأ المدافع الذي أمامه قراءة جيدة .. وكانت لديه القدرة على توقع حركة اللاعب أو ردة فعله التي ستحدث». عضو مجلس إدارة نادي الوحدة السابق سعد بن فهد العصيمي يقول «يعد سعيد لبان واحدا من أبرز اللاعبين الذين مروا على الكرة السعودية، فهو لاعب متمكن فنان حريف ولم يأت أي لاعب في المملكة له قدرة التحكم في الكرة مثله حتى الآن، لقد أبهر الجماهير في الفترة التي لعب فيها كرأس حربة في فريق الوحدة، سيطرة مطلقة وتحكم مدهش على الكرة وكأنها مربوطة في قدمه، حيث كان يسير بها على خط الجير من المرمى إلى المرمى دون أن يتمكن أي مدافع من تخليصها أو حتى خروجها خارج الملعب حتى يسلمها لأحد زملائه، كان يجيد الترقيص على حد قول الإخوة المصريين ويتلاعب بالمدافعين كيفما يريد مما يزيد من استمتاع الجماهير، ويطالبون بالمزيد وأن تبقى الكرة بحوزته طوال الوقت وغالبا ما يمرر الكرة بين أقدام المدافعين على طريقة الكوبري، وهذا سبب الرعب لدرجة أن أي لاعب يواجهه يتسمر في مكانه خشية إضحاك جماهير الكرة عليه ويسهل عليه تجاوز أي مدافع مهما كان يملك من صلابة وقد أحرج مدافعين عمالقة أمثال (غازي كيال وكعدور والصومالي والمجلل) وغيرهم، ومع هذا لم يتمكن أحد من هؤلاء المدافعين من إصابته طيلة حياته الكروية في الملاعب لحذره الشديد وسرعته الهائلة، يتميز اللبان عن بقية النجوم بفنياته وقدرته في التحكم في الكرة والمرور من أي دفاع بكل سهولة، ولو تواجد حتى الآن في عصر الفضائيات والملاعب العشبية والاحتراف والخطط الهجومية لربما تجاوزت سمعته الأسطورة البرازيلي بيليه أو حتى الأرجنتيني ميسي الظاهرة الكروية الجديدة.