ما زلت أذكر قبل أربعين عاما اجتماع فريق من أهل الحي الذي كنا نسكنه على ما يسمونه حينها «الكباس» والمقصود به «الصنبور». إنه مورد ماء متمثل في ما كانت مصلحة المياه في تلك السنين الخوالي تنشئه، حيث قسمت الماء على الأحياء في صورة صنابير «أو إن شئت فقل كباسات» فجعلت لكل أهل حي كبير صنبورا يستقون منه. ولم يكن حينها للناس ما هم فيه اليوم من وصول الماء إلى كل بيت. وكم كانوا يلقون من عناء في جلب الماء من تلك الصنابير «الكباسات» حيث يملأ أحدهم آنيته ومن ثم يحملها إلى داره وربما تردد مرارا على الصنبور. وها قد مرت السنون الحافلة بمشاريع تحلية المياه، وفي صيف كل عام خلال الأربعين عاما يظن الناس أن عناء انقطاع الماء في ذاك الصيف لن يعود العام الذي بعده لكن الأمس كاليوم والأعوام في شبه، ومن الطريف ذكره أنه عادت لذهني ذكرى ازدحام الناس لدى «كباس الشامي» في طيبة الطيبة وذلك عند مروري بشيب الماء أوائل هذا الصيف وقد اجتمع الناس حوله متدافعين في لجج وخصومة كل امرئ منهم أحرص من أخيه على أن يكون الأول في اصطحاب سيارة نقل الماء «الوايت»، إلى داره. وقفت متسائلاً: سبحان الله لقد مضت أربعون عاما ولا ريب أن الدولة أنفقت لا أقول مئات الملايين بل مليارات الريالات ولا زال الناس في كرب نقصان الماء على مر السنين. هل كانت مشاريع فاشلة أم أنها مشاريع نفذت دون دراسات استراتيجية جعلت في حساباتها تنامي أعداد المواطنين وكثرة الزوار والحجاج والمعتمرين، ثم لو كان أحد الأمرين هو سبب الإشكال لماذا لم تكن هناك مشاريع إسعافية عاجلة التنفيذ؟ إننا نتطلع إلى إرادة من وزارة المياه والوزارات المعنية نقول إرادة تعالج القضية فالمواطن لم يعد يصدق اعتذار عدد من مسؤولي تلك الوزارات بأنه لابد من مصابرة أعوام لتنفيذ مشاريع حالية فقد قيل هذا من سنين والحال هو الحال. لدينا مليارات الريالات ويحيط بوطننا بحران ولدينا مهندسون وفنيون أكفاء وإذا عرضت وزارة ما مناقصة مشروع تشغيلي أو صناعي تنافست الشركات العالمية على التعاقد مع الوزارة. ثم لماذا نجعل عمدتنا الركون إلى مشاريع التحلية لماذا لا تكون هناك دراسات جادة عملية ميدانية لحفر آبار ولو في مدن وقرى متباعدة. ولو تم ذلك فسنضيف لثروة البلاد موردا مائيا هو قديم جديد. وقد يقول قائل إن من المناسب أن يكون هناك إرشاد من الجهات التوعوية والثقافية والإعلامية للمواطنين في موضوع الترشيد في استهلاك المياه. فنقول إن الذكرى تنفع الناس ولكن من غير المناسب أن نتخذ ما يكون من سرف في استهلاك المياه حجة في تبرير نقصان المياه.