قبل الإفطار بنصف ساعة، يبدأون تقاسم عدد من المهمات وصولا لمهمة واحدة هي تفطير الصائمين داخل الأحياء وإلى جوار المساجد، يباشرون مثل خلية نحل إعداد وترتيب سفرة إطعام الصائمين والكل يتسابق على الأجر، وما يميزهم أنهم شبان في مقتبل العمر، نشيطون ومرتبون في هندامهم وفي أشكالهم، لا يتوانون عن مساعدة أحد، وإذا سألت أحدا منهم عن سر هذا النشاط والحيوية والابتسامة التي لا تفارق شفاههم، يجيب: هكذا ديننا حثنا على ذلك، هؤلاء من يطلقون على أنفسهم (شباب موائد الرحمن). الخير كثير أحمد يوسف ومحمد باطاهر، (شابان متطوعان لموائد الرحمن) قالا ل «عكاظ الشباب» نسكن في حي بني مالك جنوبي وسط جدة، وكما تعلم هناك الكثير من الأشخاص المساكين يسكنون الحي الذين تجوز عليهم الصدقة، وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف من مساعدة المساكين طوال السنة، فكيف في شهر فضيل مثل شهر رمضان، ونحن ننفذ هذه المهمة يوميا بترتيب سفرة الطعام بتوجيهات أشخاص يكبروننا في السن طبعا»، ويوضحان «نضع ما يكفي لإطعام أكثر من مائة شخص يوميا، وعادة ما تتكون الوجبات من تمر، ماء، لبن، وعصائر، والأطباق الرئيسة تختلف حسب ما تجود به أيادي المتبرعين فتارة تكون أرزا ولحما، أو أرزا ودجاجا، وهكذا بشكل يومي». الطبخ للموائد عبدالله العمودي ومحمد عبدالله، (شابان متطوعان أيضا في هذا العمل منذ فترة ليست بقصيرة) قالا «نمارس مهمة إفطار الصائمين على موائد الرحمن منذ زمن طويل، وفي بداية الأمر شجعتنا أسرنا على هذا الفعل الطيب الذي لو جربه كل شاب لشعر بالسعادة تغمر قلبه كما لم يشعر بها من قبل، ونحن متأكدون من ذلك». ويضيف العمودي «أسرنا وأمهاتنا يطبخن بعض الأكلات السهلة التي عادة ما تكون في شهر رمضان بكثرة مثل اللقيمات، الشوربة والحلويات، ويفيض منها الكثير فبدلا من وضعها أمامنا في سفرة المنزل ولا تؤكل بالكامل فإننا نقسمها في ما بيننا وبين من يستحقون على موائد الرحمن»، ويشاركه الرأي زميله محمد عبدالله «فعلا، السعادة التي تخالج أنفسنا من جراء عمل الخير من ترتيب وتوزيع الطعام على موائد الرحمن شيء يبعث الفرح والسرور داخل نفسي، أضف إلى ذلك حب عمل الخير في رمضان وهو الدافع الرئيس». لا نحتاج توجيها عبدالعزيز العمودي، محمد باشموس، أكدا أنهما لا يحتاجان توجيها في هذا العمل «فهكذا تعلمنا من ديننا وسنة نبينا ومدارسنا وأهالينا، ورغم التعب والإرهاق الذي نشعر به في أجسادنا جراء فرش الموائد الطويلة خصوصا داخل الحي وإلى جوار بعض المساجد، إلا أننا نشعر بالسعادة عندما نرى فرحة الصائم عند فطره وهو يرى أمامه ما لذ وطاب من مأكل ومشرب، ذلك ما يعطينا دافعا قويا لليوم التالي». واستطردا «نحن ننتظر شهر رمضان طوال العام بفارغ الصبر حتى يتسنى لنا التسابق إلى إفطار الصائمين، ويبادر آباؤنا وأصدقاؤنا إلى تشجيعنا على هذا الفعل وعلى مد سفر الطعام ووضع الأطعمة عليها، وكل ما هو موجود على سفرة مائدة الرحمن في رمضان مقدم من أهالي وسكان الحي وبعض المتبرعين من خارج الحي، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات والجمعيات الخيرية، وكل ذلك يتم عن طريق الترتيب والتنسيق مع أئمة المساجد وكبار السن من سكان الحي». قديما وحاضرا خالد سالم باعثمان (متقاعد) قال إنه منذ 11 عاما وهو يتبرع في كل شهر رمضان وبشكل يومي بما تجود به نفسه من طعام لموائد الرحمن، ويضيف «ولكن الملاحظ عما كان سابقا، هو تغير الناس، فقديما كان أغلب من يلتفون حول مائدة الرحمن هم من سكان الحي ومن فقرائه ومساكينه، أما الآن فيتحلق حولها الكثير من حراس العمائر وبعض الجنسيات الأخرى غير العربية والعابرين أثناء وقت الإفطار، فمثلا جنوبجدة تكثر فيها الجنسية التشادية وحراس العمائر من الجنسية البنجلاديشية والهندية وغيرهم، ولكن كل ذلك لا يمنعنا من فعل الخير فنحن سواسية عند رب العالمين فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى». ويشير باعثمان إلى أن «العمل في رمضان فيه خير كثير ومتعة كبيرة وهذا ما أربي عليه أبنائي لكي أزرع داخلهم حب الخير وعمله، وبصراحة هذا ما لمسته أخيرا في كثير من الشباب الصغار، فحبهم لعمل الخير وخصوصا في شهر رمضان زاد، وإن دل ذلك فإنه يدل على حسن التربية قديما وحاضرا».