محمد أربعيني وصي على والده الثمانيني المصاب «بجلطة في الدماغ»، وكان يملك صكا من المحكمة يؤكد أنه وصي على والده بحكم التقرير الطبي. والد محمد كانت لديه «بطاقة أحوال» قبل أن يصاب «بالجلطة»، وكان محمد يقوم على والده ووالدته وإخوته، ويذهب كل شهر ليسحب لهم راتب والده المقعد الذي فقد اتصاله بعالمنا. ولأن بطاقة أحوال المواطن كالألبان محدودة الصلاحية، ولأن على المواطن الذهاب للبنك ليجدد بياناته، ولأن البنك لا يقبل بطاقة منتهية الصلاحية حتى لا تتسمم الأموال في البنك، كذلك لا يقبل صك المحكمة ويكتفي ببيانات الابن، كان على محمد أن يجدد بطاقة والده المقعد والغائب عن عالمنا المدهش بقوانينه. ذات صباح خرج محمد من عمله ليجدد بطاقة والده معتقدا أن الأمر لن يستغرق وقتا، فصورة والده وصك المحكمة والتقرير الطبي معه، وبالتأكيد ثمة أنظمة تستثني أولئك الغائبين عن عالمنا المدهش بأنظمته، وأن البطاقة ستصدر سريعا لذاك الغائب عن عالمنا بلا إرادته، الذي لا يعرف أحد هل هو يتألم؟ محمد كان واهما إذ ظن أن قضيته تحتاج استئذان ساعة واحدة من عمله، فقضية تجديد البطاقة في أحوال المدينةالمنورة جلست أشهرا طويلة، ودخلت مفاوضات طويلة، أحد الحلول المقترحة على محمد أن يحضر والده «ببطانية» ليتم تصويره، وأن هذا الأمر طبيعي لأن غيره قد أحضروا والدهم ملفوفا «ببطانية». محمد لا يعرف أن بعض الدوائر الحكومية تنطلق من فلسفة «ظلم الجميع عدل»، وبالتالي ظلم جميع المصابين بجلطة عدل أيضا، ويرى أن ظلم الجميع يعني ظلما مطلقا. محمد لا يعرف أننا وصلنا لفلسفة «المواطن مدان حتى يثبت براءته» لهذا يتساءل: ما قيمة التقرير الطبي والصك الصادر من المحكمة إن لم تقبل به الأحوال ولا البنوك؟ ويضيف: هل يتمتع أحد بمشاهدة أبناء يحملون والدهم الغائب عن عالمنا والملفوف ببطانية يجوبون به الأحوال المدنية؟ [email protected]