استيقظ لأداء صلاة الفجر يغالب النعاس بكل عزيمته، كان يشعر بعطش وجوع وآسفه منامه عن السحور، ذهب ضحى لوظيفته وشعر أثناء النهار باشتداد الجوع والعطش. قال له أحد الزملاء: أراك مرهقا، فقال: لم أكن أظن أن للسحور تأثيرا فاعلا في دفع الجوع والعطش في وسط النهار وتخفيفه آخره. قال صاحبه: إن في أخذنا بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرات كثيرة عاجلة وآجلة فالآجلة ما نجدها يوم القيامة في موازين حسناتنا وأما العاجلة فما ندركه في واقعنا من عافية وصحة وعون على الطاعة وسعادة وسرور وفرح. كانت كلمات صديقه ذكرى، أخذ بعدها على نفسه أن لا يدع السحور طاعة لرسول الله وابتغاء ما في السحور من بركة. أحبتي القراء قد جاءت الأحاديث الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في استحباب السحور وبيان فضله وعنايته هو عليه الصلاة والسلام به فقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «تسحروا فإن في السحور بركة». قال العلماء: من البركة أن السحور عون للصائم طوال نهاره على حسن الصيام فالسحور يدفع الجوع والعطش عن الصائم وسط النهار ويخففه آخره. وقالوا: إن من بركة السحور أن المتسحر يوافق ساعات الإجابة التي هي في الثلث الأخير من الليل فتكون يقظته في وقت فاضل يلهج فيه بالاستغفار والدعاء ولا يكاد يتم سحوره في تلك الساعة إلا والمؤذن يصدع بأذان الفجر فيمضي إلى أداء صلاة الفجر في جماعة، فإن الوقت الذي يسن فيه السحور هو قبيل أذان الفجر بقليل. لقد تعود أناس أن يجعلوا السحور قبل طلوع الفجر بساعتين أو نحو ذلك غير أنه عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه كان يؤخر السحور.. فقد روى الشيخان واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة، قلت: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين أو ستين، يعني آية. ثم إنه لا تثريب أبدا على من جعل سحوره وجبة دسمة فيها أطايب الطعام والحلوى فالله سبحانه قال (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون). وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أكل من جنب شاة مشوية ضيف عليه بعض أصحابه وأكل معهم قبيل صلاة العشاء في بيت ميمونة رضي الله عنها، وأكل أنواعا من الأدم وكان يحب الحلوى والعسل. غير أن الأولى بالمسلم الاقتصاد في وجبة السحور ليفيد من الصيام في صحته كما أفاد منه في تحقيق التقوى وإذا سألت عن أفضل الأطعمة سحورا فإنه عليه الصلاة والسلام قال: «نعم السحور التمر» رواه أبو داوود وابن حبان والبيهقي في السنن، وقال الألباني صحيح. * المشرف على الدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق.