لم تستسلم بائعات البسطات المتجولات حول الحرم النبوي الشريف في المدينةالمنورة في المنطقة المركزية لحرارة الشمس الحارقة التي تصل إلى ما يقارب 50 درجة مئوية، ولم يقتصر البيع في البسطات على النساء السعوديات، بل تطور الوضع إلى ممارسة عدد من الوافدات لذات المهنة وانتشرن بصورة ملفتة للأنظار وبشكل عشوائي حول المسجد الحرام، بعد أن استغللن لبس العباءة النسائية السعودية كدرع حماية لهن من قبضة الجوازات والأمانة. أصبحت ظاهرة بائعات البسطات في الشوارع والأسواق جزءا من المشهد اليومي للمدينة، خاصة في المنطقة المركزية، حيث ينطلقن منذ الصباح الباكر في رحلة شاقة من أجل الحصول على ريالات تساعدهن في سد رمق أطفالهن، بعد أن تمكن من تخصيص أماكن لهن بحيث لا تستطيع بائعة أن تتعدى على ملكية الأخرى. تقول أم عبدالله التي بدا عليها التعب من كثرة الجلوس، «امتهنت البيع في البسطة منذ ثماني سنوات وأصبحت معروفة لدى الزبائن الذين يزورونني بشكل متكرر لشراء العديد من المستلزمات النسائية من الزيوت والأعشاب المتنوعة والجلابيات بأنواعها، إضافة إلى البخور الذي نحرص على جلبه من مناطق أخرى تشتهر به كالدمام ووادي الدواسر وغيرهما من المناطق». «الحاجة أجبرتنا على العمل في الشوارع»، بهذه الكلمات المتقطعة تبدأ أم عبدالله التي تعول خمسة من الأبناء حديثها ل «عكاظ» عن تجارتها الصغيرة فتقول: توفي زوجي منذ سنوات وترك لي خمسة من الأبناء ولا يوجد لدينا دخل سوى معاشه التقاعدي الذي لا يكفي للإيفاء بإيجار البيت الذي نقطنه، لاسيما لوازم الأطفال الخمسة التي لاتكاد تنتهي، ولم أجد أمامي خيارا آخر سوى بيع بعض المستلزمات النسائية كشراشف الصلاة والسجادات وأغطية الحجاب الإسلامي لإعالة أيتامي، وعن ساعات الدوام زادت «أجلب بسطتي وأفردها أثناء انتهاء صلاة العصر لتلافي حرارة الشمس خلال النهار التي تستعر وقت الذروة، وأباشر البيع إلى ما بعد صلاة العشاء، وبالنسبة للربح اليومي فغالبا ما يتراوح بين ال 50 وال100 ريال، وكثير من الأحيان أعود خالية الوفاض». وتشاركها الرأي الطالبة حنان والتي تخرجت هذا العام من المرحلة الثانوية (علمي) بقولها «أنا الابنة الكبرى لوالدتي العاجزة وثلاثة أشقاء يصغرونني في السن، ودعتني الحاجة إلى جر عربتي المحملة بالقليل من البضائع لجمع القليل من المال لرعاية وتلبية الطلبات الأساسية لعائلتي، بعد أن تعلمت فنون البيع من والدتي المريضة، وأعرضها في الأوقات المسائية أمام أفواج المصلين أثناء ذهابهم وإيابهم من الحرم هربا من لهب الشمس، وعن نوع البضاعة ومصدرها تقول حنان: نشتري الأقمشة من أحد التجار بسعر الجملة ونسدده بالآجل لمعرفته بوضعنا المادي السيئ». وعن إكمال دراستها تضيف حنان «لن تمنعني مزاولة المهنة والوقوف جوار والدتي من إكمال مسيرتي التعليمية، وسأعمل على استكمال إجراءات التسجيل في الجامعة للتخرج ونيل الشهادة لإراحة والدتي المسنة من أعباء الحياة، ولتعويضها عن سنين التعب والشقاء التي وجدتها بعد وفاة والدي يرحمه الله». وأثناء الجولة التقت «عكاظ» بدرية التي تتحدث الفارسية بطلاقة مع إحدى الزائرات، أكدت أن دافع الحاجة إلى تحسين وضعهم المالي، لتسديد الديون بعد وفاة زوجها سبب رئيسي في عملها من خلال البسطات.