روت ل «عكاظ» أم محمد من مكةالمكرمة معاناتها مع أخيها وابني عمها الذين استولوا على حقها في الميراث، وتقول إنهم استولوا على أربع مزارع في المدينةالمنورة تركها أبوها بعد وفاته، مضيفة «عندما أطالب أخي بحقي يرد عليّ بقوله: إذا لك حق بتأخذيه». وأخرى أسمت نفسها بالمغلوبة على أمرها، تقول إنها معوقة ولا تملك ثمن الدواء ولا الكرسي المتحرك، وعمها شقيق والدها حرمهم من إرث والدهم، وتركهم دون أن يكلف نفسه حتى بالسؤال عنهم وتفقد أحوالهم. وتضيف «لجدي أملاك كبيرة في الجنوب لكن عمي محتال حتى الصكوك ضيعها يقول ضاعت فقط ليقهرني، لكن سأظل وراءه إلى أن أخذ حقي». ينقل شاهد عيان (أسمى نفسه بخيال البدر) معاناة إحدى الفتيات التي تحدثت مؤخرا لإحدى الإذاعات، إذ تقول إن إخوتها استولوا على الميراث وهم متعاطون للمخدرات، كما أن أحد إخوتها قتل أخته بعد أن أصابها بإصابات بليغة وتم سجن القاتل لكن شقيقها الثاني تنازل بعد ست سنوات قضاها الأول في السجن. ويقول إنها وجهت صرخة نداء طالبة مساعدتها وأمها وأخواتها. عبدالله الزهراني يصف الاستيلاء على حقوق النساء في الميراث بأنها كارثة كبرى، ويضيف «في الجنوب لا تعطى المرأة حقها في الميراث، وهذا كلام حقيقي وليس مفتعلا، إذ يتم الضغط على البنت بمبلغ زهيد عندما تطالب بحقها، والباقي يقسم بين الأولاد». وأخرى (أسمت نفسها ب «محرومة من الميراث»)، شكرت الصحيفة على تطرقها لموضوع حرمان المرأة من حقها في الميراث، وقالت: «هذه حقوقنا التي نطالب فيها يا دعاة التحرير وإنصاف المرأة». أما أم الأولاد الثلاثة، فوصفت الخبر المنشور في «عكاظ» بأنه خبر الموسم، وقالت: «هذا أحسن خبر قرأته؛ لأنه قبل أسبوعين كتبت معروضا أشكو فيه تهرب أخي عن إعطائنا ميراث والدتنا، وصار يهددنا إذا اشتكيناه بأنه سيبيع كل شيء، ويقول دوروني وقتها». أبو ريناد قال: أتمنى أن يصدر قرار بتقسيم الإرث خلال شهر من وفاة المورث، حتى لايحدث شقاق بين الإخوة، مشيرا إلى أن أكثر القضايا التي ترد في معظم المحاكم سببها الإرث. أما خالد محمد فقال: «والدي حرمني من الإرث لأنه كان بيني وبينه خلاف على موضوع ما، كما أنه لم يكتب لأخواتي أيضا». ويقول من أسمى نفسه ب «كن مع الحق دائما»: «فعلا النساء لا يأخن حقهن من الميراث ولكنهن أيضا يخجلن من رفع الدعاوى على إخوانهن ولا يرغبن في ذلك نظرا لما تربطهن بإخوانهن من علاقة قوية»، مضيفا «يجب على وزارة العدل أن تسن قانونا يضمن تقسيم الإرث عن طريقها لا عن طريق العائلة». شبه معدومة وهنا يعلق الشيخ حمد بن خنين المستشار الشرعي والباحث الإعلامي في وزارة العدل وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان على الموضوع بأن حالات الحرمان باتت شبه معدومة في المدن الكبيرة بسبب الوعي المرتفع في أبنائها. ورأى أن الإشكالية تكمن في المناطق النائية التي لا تزال العادات فيها مسيطرة، واصفا حرمان النساء من الميراث أمرا مستهجنا بعيدا عن الدين والعرف السليم. ودعا الجهات الإعلامية إلى إيضاح صوت العدل والحق، مبينا أن هناك نقصا شديدا في وعي الرجال بعلوم الشريعة وأمورها، فضلا عن النساء. وأثبت ابن خنين هذه التحايلات الحاصلة لإخراج النساء من حقوقهن في الميراث وحرمانهن منها، وقال «لقد مرت عليّ شخصيا حالات عديدة، منها إتيان أحدهم بامرأة تنتحل شخصية أخت له متزوجة من رجل آخر أجنبي عنهم لتبدي رغبتها في التنازل عن حقها في مجلس القضاء؛ لأنهم لا يرغبون أن يتداخل زوجها معهم في أملاكهم». وأوضح أن في حال رفعت المرأة المتحايل عليها دعوى قضائية على ذويها، فإن الأعيان يتدخلون لاحتوائها والضغط على المرأة للتنازل عن دعواها لعدم تطبيق النظام على المتحايلين. وجزم المستشار الشرعي بأنه لو طبق النظام على المتحايلين والمخادعين، فإنهم سيكونون حديث الجميع وستكون واقعة قوية أمام الرأي العام، وقال «المطلوب تطبيق النظام على المخالف والتشهير به حتى يرتدع الجميع وإلا فإن المشكلة سوف تستشري»، مطالبا بتطبيق نظام مكافحة التزوير في حال ثبوت تهمة انتحال الشخصية في هذه القضايا. وأبدى أسفه لعدم خضوع كثير من المتحايلين للعقوبات التي يرتبها النظام، وقال: «نحن متميزون في وضع الأنظمة وضعفاء في تطبيقها». حق المرأة من جهته، كشف القاضي في المحكمة العامة بصامطة الشيخ ياسر بن صالح البلوي عن أن بعض العوام يضلل الجهات الحكومية بإضافة أفراد أو إسقاطهم من صك حصر الإرث لمآرب خاصة، مؤكدا رصد بعض الحالات على بعض ضعاف النفوس، معتبرا أن ذلك نوع من أنواع التزوير، موضحا أن الأنظمة قضت بإحالة من يثبت بحقه تعمد ذلك إلى جهات التحقيق ومن ثم إحالته للجهة القضائية المختصة للنظر في مجازاته. وعن رفع المرأة دعاوى قضائية حال حرمانها من الميراث، قال البلوي إنه «لا يجب الذهاب إلى القضاء، لكن إذا أصر أحد الورثة على منع آخر من ميراثه من مورثهم واستنفدت الوسائل الودية وجهود الإصلاح، فإن لهم الحق الكامل في الذهاب إلى القضاء الشرعي لاسترداد حقهم، ولا يعتبر ذلك قطيعة رحم؛ لأنه طلب حق، بل الذي يسعى لمنعهم من ميراثهم هو الذي يسعى لقطع الرحم والظلم، ومع ذلك فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا للقطيعة بينهم». وأضاف «من وقع عليهن ضرر بمنعهن من ميراثهن فإنه يشرع لهن السعي في إزالة هذا الضرر عنهن، ويندرج هذا تحت القاعدة الفقهية: الضرر يزال، لما روى مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار». وزاد «الحاجة ماسة للعمل على وسائل تحد من انتشار هذه الحالات لكي لا تصبح ظواهر، وقد وجه مفتي عام المملكة العلامة ابن باز رحمه الله في إحدى فتاويه بوجوب الرفع إلى ولاة الأمور عمن يدعو إلى حرمان المرأة من الميراث أو تحايل في ذلك؛ حتى يعاقب بما يستحق بواسطة المحاكم الشرعية». النظرة الدونية وعزا رئيس لجنة المحامين في أبها والمستشار القانوني يحيى الشهراني انتشار هذه التقاليد إلى الجهل والنظرة الدونية التي تحرم المرأة كثيرا من حقوقها، مشيرا إلى أن بعض القبائل ترى عيبا أن ترث المرأة، فيقال لها: تنازلي عن نصيبك للذكور. وبين أن للمرأة حقا في رفض هذه المساومات والتقدم للمحكمة العامة التي تعتبر الجهة المختصة لاستقبال هذه الدعاوى، لتطالب بقسمة إجبار، تجبر فيها الورثة على إعطائها حقها. وأكد الحاجة إلى نصوص تجرم إقدام الرجال على إكراه النساء للتنازل عن حقوقهن، باعتبارها جناية موجبة للتعزير، معتبرا ذلك أحد الحلول التي من خلالها يتم استرداد حق المرأة وحمايته، الأمر الذي يجعل المتعدي عبرة لغيره.