رغم تحريم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل وتشبيه القرآن الكريم ذلك بمن بأكل في بطنه نارا. يزخر الواقع الاجتماعي بالعديد من القصص المؤلمة التي يستولي فيها الناس على حقوق أقرب الناس إليهم. شقيقه مات أبوها فانتظرت من شقيقها أن يحل محله ليدافع عنها ويحفظ حقوقها من الضياع فإذا به أول لص ينقض على أموالها ليأكلها بالباطل, مستخدما في ذلك العديد من الأساليب والحيل التي لا تخلو من الخسة ودناءة النفس بدءاً بسيف الحياء والتدليس وانتهاء بكافة أشكال العنف النفسي وربما البدني أيضاً في بعض الأحيان. فلا تكاد تخلو الكثير من الأسر من حالات تنازل المرأة عن حقها في الميراث لإخوتها الذكور، سواء كانت المرأة ميسورة أو محتاجة, والغريب أن بعضهم يستخدم مبدأ "التخجيل" مع أخته الذي يعيب عليها الوقوف في المحاكم للمطالبة بحقها أو لإتمام الإجراءات التي تتعلق بالميراث. والأغرب أن هناك أناسا يتطوعون دون مقابل لنصرة الباطل بممارسة ضغوط اجتماعية وحصار نفسي على الفتاة لإجبارها على التنازل عن حقها في إرث أبيها. ثقافة اللوم وتقول المواطنة أم خالد التي تنازلت عن حصتها في الميراث لشقيقها مؤخرا: لم أملك خيارا غير التنازل عن حصتي لشقيقي، والسبب هو تنازل جميع شقيقاتي عن حقهن الشرعي في الميراث، وتابعت: الظروف الاقتصادية تختلف بيننا كإخوة ومع ذلك أجبرنا على التنازل عن ميراثنا. والحقيقة أن "ثقافة اللوم" التي تنتشر في محيط العائلة في حال رفضت التنازل أجبرتني على التنازل عن حقي في الميراث، وهو التصرف الذي ندمت عليه أشد الندم ولكن بعد فوات الأوان. وفي واقعة أخرى شابها التدليس تقول "س ل" التي فضلت عدم ذكر اسمها: استغل أخي حالة الصدمة التي انتابتني أثناء وفاة والدي، وقام بأخذ توقيعي على وكالة عامة للتصرف المطلق في ميراث والدي الضخم. وتابعت: عندما علمت بتصرف أخي فيما يخصني طالبت بحصتي من إرث والدي وذكرت أن التوقيعات أخذت مني بالحيلة ولكن دون جدوى، إلى أن توصلت إلى تسوية رضيت بها على الرغم من الإجحاف بحقي, وهي أن أحصل على مبلغ من المال لا بأس به. المواجهة وعلى العكس من سابقاتها تمسكت مها العنزي بحقها الذي شرعه الله لها في تركة أبيها ولم تخضع للعنف النفسي أو محاولات التأثير من الأقارب والأهل ورفضت التنازل عن نصيبها من الإرث متحدية الجميع حتى حصلت على حقها كاملاً, وقالت ل"الوطن": توفي والدي منذ عدة سنوات، تاركا عددا لا يستهان به من الأملاك من الأراضي والعقارات والمبالغ المالية، وقد رفضت تفويض أخي ومنحه وكالة عامة للتصرف في الميراث وإجراءات المحكمة، رغم كل المحاولات والتدخلات من قبل أطراف مختلفة في العائلة، فالكل حاول إقناعي بأنني متزوجة وأن جميع هذه العقارات ستذهب لزوجي بشكل أو بآخر، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل، وحصلت على نصيبي، وفي المقابل حظيت بمقاطعة من قبل العائلة لأكثر من ثلاث سنوات. وتؤكد اختصاصية علم الاجتماع مطيعة الغامدي أن تنازل المرأة عن حقها في الميراث لإخوتها الذكور يعد "ظاهرة سلبية" فسواء تم التنازل بالترغيب أو بالترهيب، فإن ذلك من شأنه أن يخلق تداعيات اجتماعية خطيرة على صعيد الأسرة الواحدة، وتضيف الغامدي هناك ضغوط تمارس على الأنثى داخل محيط الأسرة لتجبرها على التنازل عن حصتها في الإرث، وأغلبها يأتي عن طريق الاحتيال من قبل الأشقاء الذكور عن طريق التفويض العام بحجة صعوبة تنقلها بين أروقة المحاكم لإتمام الإجراءات، ومن ثم يستعمل التفويض في سلبها حقها الشرعي في الميراث. غياب التوعية أما اختصاصية التوعية الإسلامية مريم السيف فتشير إلى أن للتوعية دورا أساسيا وأكدت على أنه لا بد من توعية المرأة عن النتائج التي تترتب على تنازلها عن حقها الشرعي في الميراث، فلا بد من التوعية لمثل تلك الأمور من خلال النشرات والمحاضرات النسائية، لأن الكثير من النساء يوقعن على الوكالات وأوراق التنازل والتفويض دون معرفة ماهية تلك الأوراق وخطورتها أو تبصير بالنتائج المترتبة عليها. وتؤكد أخصائية التربية الإسلامية فايزة البراك أن للشريعة الإسلامية موقفا واضحا وصريحا من قضايا الإرث، حيث تقول: الدين الإسلامي أوجب تقسيم الميراث حسب الحصص الشرعية التي نص عليها في القرآن الكريم تفصيلاً. وتؤكد البراك أن سلب المرأة حقها في الإرث سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب أو الحيلة أو التخجيل نوع من الاعتداء المحرم الذي غالبا ما يوجه ضد المرأة من قبل إخوتها الذكور. وعادت البراك لتؤكد أن الله سبحانه وتعالى حدد في القرآن الكريم تفاصيل الميراث، ومعظم أركان وفروض الإسلام جاءت مجملة ثم فصلتها السنة النبوية عدا الأمور المتعلقة في الميراث فقد جاءت مفصلة. وعن إمكانية استرداد المرأة لميراثها المسلوب يقول المحامي سلطان بن زاحم: الأمور المتعلقة بالميراث حق من الحقوق المكتسبة لأي فرد سواء كان ذكرا أو أنثى، وتنازل المرأة عن حقها الشرعي في الميراث سواء بالإكراه أو بالرضا يرجع لظروف الحالة أو الموقف فلا يعقل البتة أن تتنازل المرأة عن حقها في الإرث وحالتها المادية متوسطة خاصة إذا كان الميراث يقدر بمئات الآلاف وهنا تدخل مثل هذه الحالات في مسألة السفه واللامعقول. وتابع: لو دلس على المرأة بأي شكل من الأشكال أو تحت أي ظرف من الظروف، وطالبت بحقها بعد ذلك ينظر القاضي في أمرها في حال ادعائها، فالتدليس من الدلس وهو الشيء المشوش غير الواضح.