نشرت عنه الوطن السعودية خبرا مبهما في 14 ابريل 2010، وقالت إنه مبتعث لدراسة الإعلام الإلكتروني، وتكلمت عن حضوره لمقابلة نواب في البرلمان البريطاني، والحضور كان بعد ترشيحه ومعه مجموعة من المتفوقين في جامعاتهم، وتناولت كلامه وزملائه أمام البرلمان أو مجلس العموم مثلما يسمونه، وكيف انهم عرضوا تجاربهم الدراسية في المملكة المتحدة، وكذلك مطالباتهم بتسهيل إجراءات الدخول والتأشيرات للدارسين الأجانب. هكذا جاء محتوى الخبر القصير الذي لم يحمل اسم المراسل ولم ينشر إلا في جريدة سعودية واحدة، ومن يقرأ سيخرج بالتأكيد وفي ذهنه أكثر من سؤال، أبسطها أسباب وجود هؤلاء الطلبة الأجانب في البرلمان ولماذا المطالبات؟ ومن هو هذا السعودي البارز وما تاريخه؟ وهل هناك عرب غيره بين الحضور؟ مهنيا عناصر الخبر غير مكتملة وفيه خطأ، كما أن خلفياته ليست واضحة بدرجة كافية، وربما فيما سبق تفسير أو تبرير لعدم نشره في أكثر من مطبوعة، وللتوضيح أقول بأن بسام البريكان، أو المبتعث المذكور في الخبر القديم للوطن السعودية، رشح كأفضل طالب أجنبي في مقاطعة «ساسكس» وكان ممثلا لجامعات جنوب بريطانيا، والعربي الوحيد بين 12 طالبا غير بريطاني وقع عليهم الاختيار، وكانوا من أمريكا الجنوبية وأوروبا وأفريقيا وشرق آسيا، والغرض من الترشيح تقديمهم كنماذج في جلسة المجلس الخاصة بقانون «تقنين الفيزا» للطلبة الأجانب، والقانون افترض أن معظم من يحصل على فيزة دراسة لا يدرس فعليا وإنما يقيم في بريطانيا بطريقة غير مشروعة، وكان الاقتراح عدم منح الفيزا إلا لمن يحقق درجة ستة في اختبار «الايلتس» الإنجليزي، وبعد الزيارة اقتنع البرلمان بتقليص الدرجة إلى أربعة ونصف فقط. طبعا كل ما ذكر لا وجود له في خبر الزميلة «الوطن». بسام أيضا درس بكالوريوس الإعلام الجماهيري والإخراج التلفزيوني في جامعة «أوريغون» الأمريكية، وأضاف إليه بكالوريوس آخر في الإخراج السينمائي من جامعة «ساسكس» الإنجليزية، ويكمل حاليا وفي الجامعة نفسها دراسة الماجستير في النظريات والممارسات الإعلامية، وموضوع بحثه التكميلي أو ما يعرف في الأكاديميا البريطانية ب«الدزرتيشن» يدور حول «تصرفات الناس أمام الكاميرا»، والنتيجة أنه متخصص في الإخراج وليس الإعلام الإلكتروني مثلما نشرت الجريدة، واحتمالية تعمد الخطأ في التخصص واردة منعا للإحراج ربما، ولأن فكرة السينما في حد ذاتها لا زالت غير مقبولة تماما رغم أهميتها ودورها الحيوي، خصوصا وأن الشريحة الأكبر في المجتمعات العربية، لا زالت تأخذ ثقافتها ومعارفها من الأفلام والمسلسلات والأعمال الدرامية والمصورة عموما - و لا أقصد الشباب وحدهم - فحسب إحصاءات اليونسكو المنشورة، هناك أكثر من سبعين مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة، ومعدل القراءة السنوية عند العرب مخجل مقارنة بغيرهم، ما يعني بالتالي أن المواد الفلمية والتلفزيونية، قابلة لأن تصنف أحيانا كطريق يتيم ومؤثر للمعرفة في العالم العربي، و قد استغلت الإخباريات العربية ومحطات المنوعات هذا الجهل الفاضح لخدمة مصالحها، واستثمرته بشكل مبهر وفاعل جدا، على الأقل في الثورات العربية. لا أبالغ لو قلت بأن البريكان يعتبر مشروعا جاهزا لعقاد أو سبيلبرغ سعودي، وهو من الكائنات القلقة والمشغولة بالإخراج ومن أيام الطفولة، فقد تحرك ولع بسام بالكاميرا والإخراج في مطلع الثمانينات الميلادية وعمره 12 سنة تقريبا، وكانت البداية مرتبكة وبدون خبرة، ولم تتجاوز دائرة المناسبات العائلية والأصحاب والمسرحيات والأنشطة المدرسية، وبعدها جاءت مرحلة القراءة الاحترافية في مؤلفات تتكلم عن الإخراج، ولم تكن من السعودية وإنما من معرض الكويت للكتاب، وكان عمره في ذلك الوقت لا يتجاوز 15 سنة، وتعرف لأول مرة على المونتاج، وعلى أن التصوير لا تكفيه كاميرا واحده ولا يقوم به رجل واحد، وحاول بسام اقتباس مشاهد من روايات وأفلام عربية وتمثيلها أو إعادة إخراجها بمساعدة آخرين، واخترع شخصية خارقة وأخرج عنها فيلمه الأول في سنة 1987، وبسام يفرح بكل كاميرا جديدة أو تقنية إخراجية ينفذها وتنجح، كما يفرح الطفل بلعبة يتمناها، وأعمال البريكان متنوعة في موضوعاتها، وله فيلمان حصلا على المركزين الأول والثالث في مسابقات طلابية، والمنافسة فيها كانت بين الجامعات في جنوب بريطانيا. بسام البريكان مخرج بمواصفات عالمية، ولديه أفكار ومشاريع تلفزيونية وسينمائية مذهلة فعلا، والمشكلة أنه يحتاج إلى التمويل ويبحث عنه فلا يجده، ولا أدري لماذا لا ترتبط المؤسسات المهتمة والمملوكة لسعوديين، بعقود عمل مع المخرجين الشباب من نوعية بسام، أو بأقل تقدير تدعم مشاركاتهم في منافسات دولية، وتوفر لها موازنات تسمح بإنتاج أعمال مشرفة ومدروسة، ولماذا تنتصر المهزلة والأغنية على الأعمال الناضجة والمطلوبة، فالمعروف أن أمريكا نشرت ثقافتها عن طريق الأفلام والمسلسلات، و«الهولوكوست» النازي ضد اليهود لم يقنع الكثيرين حول العالم إلا لأنه وجد من يوظفه توظيفا مؤثرا في حبكة فيلم أو مسلسل ومنها «شاوا -1985»، وأمريكا الرسمية استخدمت أفلام هوليود ضد أعدائها ومن الأمثلة فيلم «بتان -1943» بعد الكامكازي الياباني على بيرل هاربر في ديسمبر 1941، ولا أنسى الصورة المتحاملة عن العرب والمسلمين في مسلسل «الحريم- 1986» والذي مثل فيه العالمي عمر الشريف دور السلطان حسان. binsaudb@ yahoo.com