ذكرت الأسبوع الماضي أن معالي الشيخ حسن آل الشيخ يرحمه الله، كان بمثابة الأب الروحي لجميع المبتعثين إلى أمريكا وأوروبا وغيرهما في فترة الستينات والسبعينات الميلادي، وأنه بدعم من كل من الملك سعود وفيصل وخالد يرحمهم الله جميعاً، كان هو من قدم الرعيل الأول من التكنوقراطيين الحائزين على أعلى الدرجات العلمية من أشهر جامعات أمريكا وأوروبا، ليعودوا ويتحملوا مسؤولية إدارة البلد حتى يومنا هذا، وممن عاصروا بدايات نهضتها بإمكانيات متواضعة نسبياً حتى أصبحنا اليوم دولة عصرية قوية يسمع صوتها فى كل المجالات والمحافل الدولية. وذكرت كيف زارنا معاليه أثناء دراستنا الجامعية فى ألمانيا (الغربية) ليستمع لنا وما نواجهه من صعوبات ومشكلات، وكيف قام رحمه الله بقرارات عاجلة وحاسمة بحل جميع مشكلات أبنائه الطلبة فى لقاء واحد وبعد تناول طعام الغداء معه، وبرفقته الملحق الثقافي فى ألمانيا حينذاك. كما ذكرت كيف أننى اشتكيت إليه طول امتداد فترة الدراسة فى ألمانيا إلى أكثر من ثمانية أعوام أحيانا بينما يتخرج المبتعث إلى أمريكا فى فترة لا تزيد على خمسة أعوام، واقترحت تحويل معظم الطلبة المبتعثين السعوديين إلى أمريكا بدلا من ألمانيا لذلك السبب، فما كان منه رحمه الله إلا أن أبدى تفهمه لهذه الملاحظة، وتم بالفعل تقليص عدد المبتعثين إلى ألمانيا بدرجة كبيرة فى العام التالي. وأذكر أننا أنشأنا فى ألمانيا صندوقا للطلبة السعوديين، لمساعدة المتعثرين والمحتاجين من إخواننا المبتعثين. ولسبب شخصي فصل أحد المبتعثين الدارسين فى شتوتجارت، وكان على وشك التخرج، وقرر الملحق الثقافي هناك إلغاء بعثته وإعادته إلى المملكة. ولكن قرر صندوق الطلبة السعوديين إعانة الطالب ماليا إلى أن يتخرج، مما أغضب الملحق الثقافي فزمجر وهدد ولكن دون فائدة. بعدها بعدة أشهر كنت فى زيارة لوالديّ فى جدة، فطلب مني شقيق ذلك الطالب مرافقته لمقابلة معالي الوزير الشيخ حسن آل الشيخ لأشرح له ظروف ذلك الطالب وما لقيه من تعسف من قبل الملحق الثقافي هناك، خاصة أنني كنت أعلم بتفاصيل مشكلته جيدا. ورافقت شقيق زميلي الطالب فى الموعد المحدد إلى منزل معاليه، وكان يعج بالزوار. ولما علم معاليه بوجودنا جلس معنا على انفراد وطلب أن أقص عليه ما أعرف، ففعلت. وسألني معاليه باهتمام عن أحوال ذلك الطالب ومن أين يعيش ومدى اهتمامه بدراسته، فأجبته بأن صندوق الطلبة السعوديين يصرف له معونة شهرية، وأنه يسير فى دراسته على ما يرام. شكرني معاليه على صراحتي وإفادته بالموضوع، ولم تمض عدة أسابيع حتى وصل للملحق الثقافي أمر معاليه يرحمه الله بإعادة الطالب إلى البعثة وصرف جميع مستحقاته. وأذكر بعد عودتي من ألمانيا أن واجهت مشكلة فى الرياض بسبب «تعنت» عميد كلية الهندسة حينذاك، فذهبت إلى معالي الشيخ حسن فى مكتبه بالوزارة. وكانت تلك أول مرة فى حياتي أدخل فيها مكتب وزير، فأصبت برهبة، خاصة عندما رأيت عدداً كبيراً من أصحاب المصالح والزوار يجلسون في مكتب معاليه وجميعهم «متمشلحون»، وأنا شاب في مقتبل العمر لا أرتدي ولا أحمل مشلحاً. وما إن لمحني معاليه وشاهد «لخمتي»، حتى ترك جميع الزوار وأشار لي بالاقتراب والجلوس على مقعد بجانبه مباشرة وخلف مكتبه، وسألني باهتمام عن سبب حضوري. حكيت له مشكلتي مع عميد الكلية، فما كان منه إلا أن أمسك بالهاتف مباشرة وطلب العميد، ثم بعد الاستماع إليه أمره بحل الإشكال فوراً واتخاذ اللازم، وأنهى موضوعي في بضع ثوان. وبالرغم من معرفتي الجيدة بعظمة ذلك الرجل وشهامته، إلا أنني لم أكن أحلم بهذا الاهتمام وهذه المقابلة الكريمة وسرعة التصرف، ولكن هذه هي شيمة العمالقة من الرجال. كنت قد كتبت قبل عدة أعوام مقالا خاصاً في ذكرى معالي الشيخ حسن آل الشيخ، يرحمه الله، ولكني لا أستطيع العثور عليه فقد كان ذلك قبل انتشار الكمبيوتر وتقنية المعلومات المتوفرة الآن، وأتمنى على من لديه صورة من ذلك المقال أن يرسله إلي عن طريق جريدة عكاظ. وكم أتمنى أن يقوم الصديق الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بإصدار كتاب يوثق فيه لأعمال هذا الرجل الجليل في تلك الفترة الهامة من تاريخ الوطن، فأبو طلال معروف بمثل هذه المبادرات الجميلة، وخاصة عندما يتعلق الأمر برجل له مكانة خاصة في قلوب فئة كبيرة من المتعلمين والمثقفين في بلادنا. يرحمك الله يا معالي الشيخ حسن آل الشيخ، يا صاحب الأيادي البيضاء، وأسكنك فسيح جناته، فما نراه اليوم من اهتمام بالابتعاث الخارجي والتعليم العالي ما هو إلا امتداد مشرف لجهودك المخلصة وأعمالك الجليلة.