تعشق الجنية إنسيا، أو يعشق الجني امرأة حسناء، فيتحول غرام وحب الجني إلى الجنون، ليدخل في جسد محبوبه، ليس بسبب العين أو السحر، بل كما يقول المثل: ومن الحب ما قتل. أثار هذا العشق جدلا قديما بين الدعاة والرقاة، فمن يؤكد حقيقة حدوث العشق بين الجن والإنس يتسلح بأدلة وبراهين، بعضها ينم عن تجربة ومنظور شخصي، أما من ينفي وقوع العشق ويشكك في مصداقيته فتعود براهينهم إلى أن العشق محتاج لممارسة الجنس أحيانا وهذا لا يتأتى، والسبب فقده أهم المقومات أحيانا، حيث يختلف خلق الإنسان عن الجان، وبالتالي لا مجال لحدوث علاقة جسدية مباشرة بين مخلوق من طين وآخر من نار. فهل هناك حالات عشق بين عالمي الإنس والجان، أم المسألة وهم وخرافة؟ حقيقة هذا العشق وأسبابه، معرفة الراقي ما إذا كان الجني عاشقا أم لا، وما أعراض مرض المعشوق من الجنية، وهل ينتج أحيانا أبناء نتيجة الحب بين الجنية والإنسي، ما صحة أقوال الرقاة من أن أصعب الحالات هي حالات العشق؟ طرحنا هذه التساؤلات جميعها على عدد من المختصين، منهم رقاة، فقهاء، وعلماء، وكانت حصيلة آرائهم كالتالي: مسألة حائرة أكد عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سعود الفنيسان، أن عشق الجان للإنسي يعود لشعور نفسي أحيانا، منوها إلى أن التلبس يرد بسبب العشق، وإن كانت المسألة في غالبها غير سليمة، مشيرا إلى أن الأهم من العشق هو وقوع التلبس، لذا لزم البحث عن علاج، وليس الهدف في الكلام عن الجني هل عشقني أم لا. وأضاف: حقيقة التلبس جاءت في القرآن، كما قال تعالى «إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس». وأضاف: التخبط معروف عند العرب، ووارد في السنة، مبينا أن العشق يصاحبه أحيانا بعض الأوهام، نافيا أن تكون هناك ممارسة للعلاقة الجسدية، مرجعا ذلك إلى اختلاف الخلقة، مستشهدا ببعض صفات هذه المخلوقات، كما قال تعالى «إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم». وعزا انتشار شائعات العشق إلى كتب الأدب، وانتشار ظاهرة الخيال والتوقعات بين الناس، وقال «هذا الموضوع يشابه قصص الأطباق الطائرة»، منوها إلى أن مسائل عشق الجان للإنس متداولة عند الغرب والعرب. وشدد على خطورة هذه المسائل لفتحها أبوابا كثيرة، مثل حمل المرأة من الزنا ونسب ابنها لجني، وخلص إلى القول «أسهم بعض الرقاة ممن ليس لديهم ضمير في نشر داء العشق بين المرضى». تسليم غيبي واستغرب المواطن خالد الجاسر تعنت البعض على بعض الأفكار، مشيرا إلى أن أفرادا من المجتمع لا يقبلون المناقشة، ويرون أن الجان يتزوجون من الإنس، وأضاف « بعض الرقاة يدعون التزاوج والعلاقات الجنسية بين الإنس والجن، ما جعل البسطاء يقبلون هذه الآراء دون معارضة، ويدافعون عنها دون دليل وعلم شرعي». وطالب بزيادة الوعي بين أفراد المجتمع، والرجوع إلى أهل العلم الموثوق بهم، وعدم قبول أية دعوى بلا برهان أو التعنت لها. يرفض الخروج إلى ذلك، أكد الراقي الشرعي عدنان محجوب الهاشمي حقيقة عشق الجان للإنس، وقال: تعشق الجنية الرجل أحيانا والعكس تماما، وعلل سبب تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لنا قول «بسم الله الذي لا إله إلا هو» عند ارتداء الملابس، وذلك لتختفي مواضع فتنة الجسد عن أنظار الجن، مشيرا إلى أن أغلب الناس مقصرون في الدعاء، ما يكون ذلك سببا لعشق الجان لهم. وأشار إلى أن المشكلة العظمى تبدأ عند رؤية الجنية جسد الرجل، أو الجني جسد المرأة، فيدخل العشق، وتبدأ دوامة العلاجات. وبين أن التلبس له أشكال أربعة، أسهله وأوله المس، العين التي تكون أحيانا من عين المحب للشخص كقريبه ونحوه حينما ينسى ذكر الله، أو عين الحسود الذي يكره الخير للغير، إضافة إلى الشكل الثالث للتلبس وهو السحر، فضلا عن الحالة الرابعة للتلبس وأصعبها أي العشق وسببه التعري، وقال: من يدعي أن العشق خرافة عليه حضور مكاتب الرقاة، وسؤال هيئة كبار العلماء، وقراءة كتب التاريخ. واستشهد بقصص تؤكد حدوث العشق، كفتاة من المدينة في العقد الثاني من عمرها ظن أهلها أنها مسحورة نتيجة فراق والدها عن والدتها، فلما شرع في القراءة عليها بآيات المس والعين والسحر والعشق، ظهر الإنهاك جليا عليها عند قراءة آيات العشق، وأضاف «مستمر في علاجها منذ قرابة 9 أشهر، ولم تشف حتى اليوم بعد رفض الجني العاشق الخروج نهائيا». حملت بجني ورفض الراقي الشرعي عمر العاطفي الآراء الرافضة لفكرة المعاشرة بين الجن والإنس، مؤكدا وجود حمل ومعاشرة فعلية مستشهدا بفتاة كان يعالجها، وقال «جاءتني فتاة عفيفة ملتزمة، لكنها متأثرة من تلبس جني عاشق بها، ووجدت في رحمها عظاما وأسلاكا، وبفضل القرآن قتل الجنين في بطنها»، وأضاف: علق الجني الذي حملت منه الفتاة قائلا إن المولود إن خرج، فسيكون على شكل آدمي محجوب عن البشر، يعيش بين الجان. وحول طريقة الاتصال الجنسي، أوضح العاطفي أن المرأة أو الرجل ربما شعرا بالمعاشرة، أو يصور لهم ذلك، أو يريانه أحيانا في المنام، فيشعران بذلك، بل بعض من يخضع للعلاج يعلم متى تكون العملية ويشعر بها، وإن كان لا يرى شكلا أو جسدا أمامه. وبين العاطفي أن الجني العاشق غالبا ما يساوم على عدم الخروج من المعشوقة، وقال: طلب مني جني أن أتركه ولا أجبره على الخروج من جسد امرأة وعرض على أن يسجد لي مقابل ذلك، وذكر أن أكثر ما يخيف الرقاة التعامل مع جني عاشق وساحر في الوقت ذاته، مشيرا إلى أن هذه من الحالات الحرجة، كونه محبا، إضافة تمكنه من السحر. وأضاف: بعض الرقاة لا يوفقون في علاج بعض الحالات، وطالبهم بالصبر على العلاج، واستخدام الطرق المتنوعة. وقال: بعض الجان العاشق يفض غشاء بكارة المرأة حتى لا تتزوج، وتظل متفردة له، وأضاف: نجد بعض الأمور الغريبة عند بعض المعشوقين، كأمواس للحلاقة وإبر وسبح، وهذا بفعل سحرة الجان، خصوصا أن من الجان من له سحر وتأثير قوي، ومنهم من دون ذلك، وكل حالة تعالج حسب وضعها، مبينا أن حالات العشق واردة، وهي تعلق غير طبيعي، كتعلق البشر ببعضهم، فأحيانا يكون التعلق شديدا وتارة أقل حدة، وخلص إلى القول «يدخل الجان من أجل الانتقام، أو الحسد، أو السحر، أو عشقا إن رأى جمالا في الإنسان، حيث يصيب المعشوق أحيانا المرض والانطواء والعزلة، كي يحظى به الجني العاشق، ويصرف الخطاب عن المرأة ويمنعها أو يمنع الرجل من الزواج».