عندما شرعنا في فتح ملف أداء وخدمات الخطوط السعودية، فإننا لم نكن نفضح سراً دفينا ولا نكشف مستوراً، ولكننا كنا نقول الحقيقة المزرية عن واقع عاشه وعايشه أغلب المسافرين من المواطنين والمقيمين بل إن المعاناة تعدت ذلك لتصل إلى العاملين في الخطوط نفسها؛ مما يعني ويؤكد أن الخلل في كل هذه الأوضاع المزرية هو خلل إداري في المقام الأول. ولم يكن هذا الانهيار الذي وصلت إليه خدمات الخطوط وليد اللحظة بل كان حصيلة تراكمات أخطاء إدارية أدت بهذه المؤسسة إلى حد أن كل مواطن أصبحت له مع الخطوط مأساة تستحق أن تروى، فكم مريض حرم من موعد مراجعة أو عملية، وكم من مستثمر جعلته يخسر صفقة عمره، وكم من طالب أبعدته عن مشوار أحلامه وكم.. وكم. وتتوالى الكوارث التي تسببت بها الخطوط إلى حد أن يعجز القلم عن السرد واللغة عن الوصف، ولكن ما لم يتوقعه أحد أن يظهر مدير عام الخطوط العربية السعودية المهندس خالد الملحم على شاشة الفضائية السعودية متهما جريدة كل الوطن «عكاظ» ما تناولته من حقائق عن المؤسسة بالتصرف غير المسؤول والبعيد عن الحس الوطني تجاه شركة وطنية كبرى، وذلك في لقائه ببرنامج المملكة هذا المساء الذي يقدمة الإعلامي طلعت حافظ. وقال الملحم في مجمل رده على تساؤلات مقدم البرنامج والضيوف المشاركين عن الاستياء العام من الخدمة التي تقدمها «السعودية» للمسافرين: إن من يسبني لا أدخله بيتي، في إشارة إلى منع «السعودية» توزيع صحيفة عكاظ على جميع رحلاتها. وتأتي تصريحات الملحم في الوقت الذي كشفت فيه العديد من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة إخفاقات السعودية في الاضطلاع بدورها كناقل وطني مهمته تقديم الخدمة للمسافرين لا تكبيدهم المعاناة، بل إن كثيرا من الصحافيين والكتاب كشفوا عن كثير من «تجاوزات» مسؤولي السعودية التي طالت حتى منسوبي الإعلام خوفا من كشف الحقائق، ومن ذلك ما تناوله الإعلامي الدكتور عبدالعزيز قاسم في مقاله بالأمس الضغوط الهائلة التي تمارس على المؤسسات الصحفية، مستخدمة «سلاح الإعلانات العابر للقارات» الذي يجعل الصحيفة تضحي بكاتب مشاكس أو قلم آثر أن يكشف الحقيقة. وأشار قاسم في مقاله بعنوان «الخطوط السعودية وأسلوب البلطجية» إلى الممارسات التي قام بها بعض المسؤولين في «الخطوط» ضد صحيفة عكاظ بعد أن كشفت عن فضيحة الخمسة مليارات ريال كنثريات، فأوقفت توزيعها ضمن الصحف السعودية على طائراتها، وأيضا فضيحة لحوم الحمير المدوية. وطالب «قاسم» مدير عام الخطوط خالد الملحم بالاستقالة، ووصف القيادات في «الخطوط» ب «الجاثمة على صدر خطوطنا السعودية»، متمنيا «أن يكرس معالي المهندس خالد الملحم ثقافة جديدة في أجوائنا تدعى ثقافة الاستقالة». من جهته، علق القاضي السابق في ديوان المظالم الشيخ محمد الجذلاني على تصريحات مدير عام الخطوط السعودية بالقول: إن هناك قنوات قانونية لمعالجة أي خطأ ترتكبه أي مطبوعة في حق أي جهة، مضيفا: لكن أن تهاجم «عكاظ» بهذه الطريقة فهذا تجاوز غير قانوني. وقال الجذلاني: لا يحق للملحم أن يتهجم على صحيفة عكاظ بهذا الشكل، ومن حق الصحيفة أن ترفع عليه دعوى قانونية بواقع أقواله، فإذا كان يعتقد بأن الصحيفة قد غالطت في نشر الحقائق فعليه أن يواجه الصحيفة بأدلة تخالف ما نشرته، وعلى الصحيفة نشر الأدلة مقرونا بالاعتذار، أو أن يقاضيها إذا أثبتت الصحيفة عكس مانشر. واختتم الجذلاني حديثه بالقول: من وجهة نظري أن «السعودية» مدانة من كل المواطنين وليس من صحيفة عكاظ فقط، كما أن «السعودية» حاولت من قبل استمالة الإعلاميين بالتخفيضات التي تهبها لهم على سعر التذاكر، بل والتذاكر المجانية، في محاولة منها للتخفيف من حجم الانتقادات الموجهة لهم من قبل المواطنين، وهو أمر لم تنشره «عكاظ» فقط، بل كان هناك صحف وكتاب طالما تناولوا إخفاقات «السعودية» في تقديم الخدمة للمسافرين، فهل يعتقد خالد الملحم أنه يتمتع بالحصانة، أو أن «السعودية» ليست من أجهزة الدولة التي تضطلع بتقديم خدمة السفر للمواطنين. كما أكد أستاذ القانون التجاري بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور نايف الشريف أن ليس للملحم الحق في الحديث عن صحيفة عكاظ بهذا الأسلوب، وكان الأجدر به أن يتوجه لتحسين قصور الأداء في المؤسسة التي يرأس إدارتها، كما أن من حق «عكاظ» تسليط الضوء على الإشكالات والمخالفات في الجهات التي على عاتقها تقديم الخدمة للمواطن، مشيرا إلى أن «عكاظ» لم تقم بأي خطأ تلام عليه من خلال نشر المعلومات التي تخص «السعودية». فمن مسؤولية الجهات الرقابية التأكد من صحة المعلومات المنشورة في «عكاظ» أو أي صحيفة تخص القصور في أي منشأة حكومية أو خاصة. أما من ناحية «عكاظ» فالتزاما بدورها الوطني والإعلامي فمثلما تكشف للمسؤول قصور أداء المؤسسات العامة فإنها أيضا لا تبخس هذه المؤسسات إنجازاتها إن كان لها إنجازات والدليل إبراز «عكاظ» لخبر فوز فريق الخطوط السعودية بإحدى البطولات الرياضية الأوروبية، صبيحة حجب الخطوط السعودية توزيع صحيفة عكاظ عن المسافرين على متن رحلاتها.