رغم تطور تعليم البنات منذ انطلاقته قبل نصف قرن إلا أنه ما زال يواجه الكثير من المعوقات خصوصا في المراحل العليا من التعليم العام، تكمن في الظروف الاجتماعية والقيود القبلية، الضعف الإداري، اختلاف وتباين المناهج مقارنة بمناهج الطلاب، إجازة الأمومة، تغيب المعلمات بسبب ظروفهن الأسرية والبيولوجية، وعمل بعضهن في محافظات بعيدة عن سكنهن ما يعرضهن لحوادث مرورية. وعلى الرغم من تأخر بداية تعليم البنات عن البنين بسنوات عدة، إلا أنه وبحسب آخر إحصائية لوزارة التربية والتعليم فإن عدد المعلمات ومدارس البنات يفوق عدد المعلمين ومدارس البنين، كما أن عدد الطالبات في التعليم العام قريب جدا من عدد الطلاب، حيث يبلغ إجمالي عدد الطلاب في مراحل التعليم العام للبنين ومدارس الجهات الأخرى أكثر من (2,525,000) طالب، فيما يبلغ عدد الطالبات في العام الدراسي الماضي نحو (2,437,436) طالبة.. ووصلت مدارس البنات إلى 18051 مدرسة مقابل 15054 مدرسة للبنين.. بفارق 2997 مدرسة لصالح البنات، وكذلك فاق عدد المعلمات المعلمين وفق آخر إحصائية بينت أن لكل عشر طالبات معلمة واحدة، و135 طالبة في كل مدرسة. تقول الطالبة (م. م) إن ذهابها للمدرسة يتوقف على دوام أحد إخوتها، فإن تأخر تتأخر، وإن غاب عن جامعته تغيبت هي الأخرى، مشيرة إلى أنها لم تجد آذانا صاغية لها، لإيجاد حل لذلك، ولا تختلف عنها الطالبة (ه. م) في المرحلة الثانوية، وتؤكد أن أهلها يرفضون أن تذهب إلى المدرسة مع السائق أو في الباص، أما الطالبة (ع. م) فإن أسرتها تهتم بتعليم إخوانها أكثر منها، مشيرة إلى أن ذلك أوجد شعورا لديها بأن تعليمها لن يتعدى أكثر من المرحلة الثانوية، وهو ما أدى إلى تراجع طموحها في المقاعد الدراسية. كما أن الزواج في سن مبكرة، قد يكون سببا في عدم إكمال الدراسة لكثير من الفتيات.. ورغم ذلك يرى الإداري التربوي عبدالرحمن الصخيري أن ظروف الفتاة تختلف عن الشاب، وذلك من خلالها استقراراها بشكل دائم في المنزل، وبالتالي تركيزها على دراستها كمتنفس لها، مشيرا إلى أن كثيرا من الطالبات يطمحن في إكمال دراستهن أكثر من الطلاب، ولكن سرعان ما يصطدم ذلك بكثير من المعوقات الاجتماعية، والتقاليد ولعل من أبرزها الزواج، ويرى الصخيري أن عملية الإشراف التربوي على مدارس البنين أسهل بكثير من الإشراف على مدارس البنات، لسهولة تنقل المشرفين أكثر من المشرفات، وربما كان ذلك عائقا يحسب على تعليم البنات. من جانبها بينت المشرفة التربوية سمر العبدالله، أن الضعف الإداري لدى كثير من إدارات مدارس البنات لا يزال عائقا أمام تطور تعليم البنات مقارنة بالبنين، مشيرة إلى أن غالبية مديرات المدارس يتمسكن حرفيا بالأنظمة والتعليمات، ما يعتبره البعض سببا مباشرا في إعاقة الكثير من الأعمال داخل المدرسة. أما الإدارية والمشرفة تغريد الحسن فتقول «صوت المرأة في التعليم ضعيف نوعا ما عن صوت الرجل، وكثير من القرارات والبرامج التربوية نراها تخص تعليم الرجال دون النساء، فنجدها تخص المعلمين دون المعلمات، إضافة إلى بعد التغطيات الإعلامية عن كثير من الفعاليات التربوية التعليمية النسائية». قلة الإمكانيات ويستغرب عدد من أولياء الأمور قلة الإمكانيات في مدارس البنات الحكومية مقارنة بالمدارس الأهلية، التي توفر طرق تعليم مبتكرة وحديثة بأساليب تربوية، وأشار فؤاد سعيد ولي أمر طالبة في المرحلة الابتدائية، إلى أنه من خلال تجربة إحدى بناته، تبين له أن المدارس الأهلية تفوق الحكومية بكثير من حيث وسائل وطرق التعليم، والمحتوى الذي يقدم، ووسائل التشجيع، والبرامج التربوية.. وهنا يتساءل خالد الجعيد عن السبب الذي يمنع وزارة التربية والتعليم من توفير كل ذلك، بدلا من اليوم الدراسي التقليدي الذي تتلقاه الطالبة في مدرستها في ظل الميزانية التي تمنح للوزارة في كل عام، والتي تعتبر الأكثر بين الوزارات. اختلاف المناهج وترى المشرفة تهاني الزهراني أن من المعوقات كذلك في تعليم البنات هو اختلاف المناهج بين الطلاب والطالبات، والذي سعت الوزارة مؤخرا للقضاء عليه من خلال دمج إداراتي تعليم البنات والبنات في إدارة عموم واحدة، وتوحيد المناهج، وقالت «على الرغم من أن مناهج تعليم البنات كانت أكثر صعوبة وتعقيدا، وطولا في المنهج، إلا أن الطالبات وبشهادة العديد من التربويات كن الأفضل في نسب النجاح النهائية». ولعل الحلقة الأضعف والأكثر حملا في هذه القضية هي (المعلمة)، وشعورها بضياع حقوقها مقارنة بالمعلم.. وهو ما أدى في السنوات الأخيرة إلى إطلاق حملة باسم (حملة مساواة المعلمات مع المعلمين)، والتي وصل صوتها لكثير من الجهات الحكومية، كوزارة التربية والتعليم والشورى، وحقوق الإنسان وغيرها من الجهات. نطالب بالمساواة تقول المعلمة أم أحمد إن من أبرز مطالب المعلمات هي مساواتهن مع المعلمين والمطالبة بالفروقات المترتبة على التفرقة بينهم، كاحتساب سنوات البند 105 الذي بقين عليه سبع سنوات بينما المعلمون سنة واحدة، والمساواة في المستوى والدرجة والراتب الذي يصل الفرق فيه لبعضهن إلى أربعة آلاف و800 ريال مقارنة بزملائهن المعلمين الذين باشروا وظائفهم في نفس العام، ومساواتهن في الراتب التقاعدي الذي يقطع عن ورثة المعلمة بعد وفاتها، بينما يصرف لورثة المعلم، وذلك بدلا عن الدعوى السابقة التي تقتصر على المطالبة بالمستوى والدرجة والفروقات. وتؤكد المعلمة أم عبدالرحمن أن ذلك الأمر ولد شعورا لديهن بأن تعليم البنين أهم من البنات. من جهتها، علقت وزارة التربية والتعليم على بعض المعوقات التي تواجه تعليم البنات، وذلك على لسان مصدر مسؤول فيها قال «الدمج الذي أقرته وزارة التربية والتعليم هذا العام بين إدارات التربية والتعليم للبنين والبنات سيسهم في القضاء على العديد من الإشكاليات التي كانت تواجه تعليم البنات ومن أبرزها تطوير العمل الإداري وتوحيد المناهج، وعن إمكانيات المدارس الأهلية التي تفوق المدارس الحكومية قالت المصادر إن الوزارة ماضية في تطوير البيئة التعليمية التربوية في كافة مدارسها الحكومية، مشيرة إلى أن المدارس الأهلية جزء لا يتجزأ من منظومة العمل التربوي والتعليمي للوزارة». مهتمون بالمطالب وأكدت نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات نورة بنت عبدالله الفايز أن مطالب المعلمات حول مساواتهن بالمعلمين ستؤخذ بعين الاعتبار، ويجري التعامل معها من خلال الجهات المعنية في الوزارة وكذلك الجهات التي تشترك مع الوزارة في الإجابة على تلك المطالب، وقالت «سنوضح ما يجب إيضاحه تجاه هذه المطالب في حال انتهاء مراجعة الجهات المعنية لها»، واعتبرت نورة الفايز في بيان أصدرته مؤخرا بهذا الشأن، المعلمات محور العملية التربوية والتعليمية في قطاع تعليم البنات، عبر دورهن الرائد في الميدان التربوي وتنفيذهن للخطط والبرامج التعليمية في الوزارة. الاستقرار الوظيفي وأكدت أن استقرار المعلمات الوظيفي والنفسي يمثل مطلبا للوزارة ستعمل على تحقيقه، وشددت على أن المعلمات والمعلمين يقعون في دائرة الاهتمام ذاتها وعلى حد سواء ويحظون باهتمام مباشر من وزير التربية والتعليم، مشيرة إلى أن أنظمة التوظيف في وزارة الخدمة المدنية ونظام العمل والعمال في المملكة لا تفرق بين المتقدمات والمتقدمين من حيث تطبيق اللوائح والأنظمة في التوظيف، وأبدت حرصها على توفير كل ما من شأنه تحقيق مطالب المعلمات والعمل ودعم العمل التربوي في وزارة التربية والتعليم ويحقق الاستقرار للمعلمات والمعلمين. وجاء بيان الوزارة الذي أصدرته نورة الفايز بعد تسلمها قائمة طويلة بالمطالب من97 ألف معلمة من معلمات ما يسمى ببند 105 تضمنت مساواتهن بالمعلمين المعينين على نفس البند في جوانب الأجر الشهري الأساسي، بدل النقل، العلاوات السنوية وبدل غلاء المعيشة. حوادث المعلمات ومن المعوقات التي تواجه تعليم البنات كثرة تغيب المعلمات عن المدرسة بسبب ظروفهن الأسرية والبيولوجية، إلى جانب إجازات الأمومة، وهو ما يؤثر على الطالبات في تلقي المحتوى الدراسي إما بالتأخر، أو في تغيير المعلمة الذي عادة ما يكون عكسيا على الطالبات.. إلا أن المعلمة وفي نفس الوقت تكون أكثر انضباطية في مدرستها على الرغم من أن بعضهن في مدارس تبعد مئات الكيلومترات عن منازلهن.. وبالحديث عن البعد يظهر الملف الأكثر تعقيدا في هذه القضية وهو (حوادث المعلمات).. حيث تعرضت خلال ثلاث سنوات فقط 500 معلمة لحوادث مرورية منها 60 وفيات والبقية إصابات 35 في المائة منها بليغة.. أوضحت دراسة مرورية أن منطقة الرياض تشهد أعلى نسبة في حوادث نقل المعلمات بلغت 17.5 في المائة تلتها منطقة عسير في المرتبة الثانية بنسبة 14.2في المائة ثم منطقة مكةالمكرمة بنسبة 13.3 في المائة والباحة بنسبة 7.2 في المائة والمنطقة الشرقية بنسبة 3.3 في المائة وأخيرا جاءت منطقة حائل بنسبة 2.5 في المائة. وتشير تقارير المرور بحسب الدراسة التي أعدها المقدم علي الرشيدي من الإدارة العامة للمرور إلى أن حوادث المعلمات سجلت ارتفاعا خلال السنوات الماضية، وساهم في ذلك تهور بعض السائقين، كشفت الدراسة أن الأسباب الرئيسة لحوادث نقل المعلمات هي السرعة بنسبة 32.1 في المائة يليها انفجار الإطارات بنسبة 22.6 في المائة ثم عدم انتباه السائق بنسبة 9.4 في المائة، وتؤكد الدراسة أن أغلب حوادث المعلمات تقع في ساعات الصباح الباكر أي في وقت تكون الرؤية فيه محدودة أو أثناء العودة من المدارس، ورأت الدراسة أن أساليب معالجة ظاهرة حوادث نقل المعلمات موزعة بين المرور، أمن الطرق، وزارة النقل، وزارة التربية والتعليم، وزارة الخدمة المدنية وهيئة المواصفات والمقاييس، ما دعا إلى تدخل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان التي رأت أن غياب ضوابط محددة وواضحة للمعلمات العاملات خارج نطاق سكن أسرهن ترتب عليه وقوع العديد من الحوادث المرورية التي غالبا ما تنتهي بوفاة بعضهن. وفي النتائج النهائية لبحث علمي أعده الدكتور حسن بن مساعد الأحمدي مع ثلاثة باحثين مشاركين عن الحوادث المرورية الناجمة عن نقل المعلمات والطالبات خارج المدن فقد تبين أن معدل حوادث المعلمات يمثل 6.2 حادث لكل مائة معلمة متنقلة.. وتعد هذه النسبة، وفقا للدراسة أكبر من النسبة الوطنية لعموم الحوادث البالغة أربعة حوادث لكل مائة فرد خلال الفترة نفسها، بينما كانت نسبة حوادث الطالبات للفترة نفسها 3.5 حادث لكل مائة طالبة متنقلة، وأوصى الفريق البحثي بمتابعة صيانة الطرق الخارجية المستخدمة في نقل المعلمات خارج المدن من قبل وزارة النقل، مع توفير سكن مناسب للمعلمة المتنقلة قرب المدارس في المناطق النائية، وتوفير وسائل الأمن والاتصال وندب محرم المعلمة المتنقلة أو نقله إلى منطقة المدرسة إذا كان من منسوبي وزارة التربية والتعليم، والتنسيق مع جهة عمله إذا كان من غير منسوبي الوزارة، كما أوصت بتقليل عدد الحصص للمعلمة المتنقلة ما يتيح تقليل عدد أيام الدوام الأسبوعي إلى ثلاثة أيام أو أربعة، مع تأخير موعد بدء الدوام للمدارس في المناطق النائية ما يتيح تقليل التنقل خارج ساعات الذروة أو الظلام أو الضباب، وتوفير حافلات حكومية أو خاصة مع سائقين أكفاء لتشجيع المعلمات والطالبات المتنقلات على استخدام وسيلة آمنة، وشددت الدراسة على ضرورة توافر هاتف محمول (جوال) مع السائقين، إضافة إلى تثقيف المعلمات المتنقلات وتدريبهن على الإسعافات الأولية عن طريق النشرات والدورات التدريبية من خلال الوحدات الصحية.