هذا الشهر لوحده، رحل كل من: مصطفى الشكعة، المثقف والمفكر المصري، ملحق السفارة بواشنطن، وصاحب «إسلام بلا مذاهب». ولحقه إثر ذلك الأستاذ «علي جريشة»، الذي قرأنا له تجربة السجن والحياة، مختلطتين ببعضيهما، ليلحق بهما خلدون النقيب، «ابن خلدون» الكويت، وعالم الاجتماع الخليجي، منذرا بهذه الندرة الكبيرة على مستوى الخليج في باب الفكر والاجتماع. في ظل تطاول كل صاحب رأي ليكون «مفكرا» بالفطرة والبديهة. رحل أيضا «ساباتو» العظيم. عميد كتبة أمريكا اللاتينية. تاركا الأبطال والقبور والأنفاق والكتابة الرائعة والحروف والدم، في قارة عودتنا كل فاتن ومثير في الكتابة والرقص والكرة. رحل معهم أيضا شيخ نقاد الحجاز ونجد، الكبير «عبدالله عبدالجبار»، أحد أول عشرة حازوا الشهادة الجامعية في هذه البلاد، تاركا لنا نبراسا لرجل كان مدرسة، وأنشأ مدارس، ليس في النقد والتنظير فحسب، بل وفي العمل وتربية الأجيال والممارسة، ولو من خلف الأسوار والحدود. رجل بحجم كلمة النزاهة، وأديب بحجم كلمة الرفعة، لا بحجم الصورة في الملحق الثقافي، ولا الكرسي في النادي الأدبي. توارى أيضا الشيخ القاضي فيصل مولوي. راحلا عن لبنان وانقساماته، بعد أن كان أمير الجماعة الإسلامية. وقد رثاه الشيخ الزميل في هذه الصحيفة، الدكتور سلمان العودة بقوله: «الشيخ فيصل مولوي من أفضل من عرفت وجالست ليس في لبنان؛ بل في العالم الإسلامي.. علما وحكمة وإخلاصا وأخلاقا». واعتبره أنه كلام كبير من شاهد كبير، عن راحل كذلك. وقبل أيام يسيرة، يترجل «ابن خميس». عالم ينذر بخلوه من الأكابر. من المنارات الفائقة الضوء والجودة. واكتظاظه بكثير من الزبد والغثاء على غفلة من الوعي والزمن والثقافة. يتوارى «موسوعة الجزيرة» جسدا، ويبقى رمزا واضح العلائم لكل من أراد أن يتعلم ويعلم ويأخذ ويعطي من الحياة ولها. في لبنان أيضا، وغير بعيد عنا في الزمان والمكان والهم، الشاعر السوري فؤاد رفقة، يرحل تاركا سوريا بوجعها المتفاقم، برغم الكلمات البراقة المشيرة لانتهاء البؤس على الشاشة لا على الأرض. الشاعر الذي نقل «العربية» الفصيحة إلى عوالم جوته وشيلر، والذي علم برلين كيف تنطق الضاد والدال والتفرقة بينهما، تاركا «مرساته على الخليج». كل هؤلاء رحلوا. من بقي إذن. عالم يفرغ، ولا يملؤه ربما سوى الفراغ. يجب فتح الميدان للشباب. موسم الشيوخ الراحلين في أوج استعاره. ابقهم لنا يا الله، وارحم راحلهم، واخلفنا فيهم بخير، في عالم لم يعد واردا فيه: إذا خلا من سيد، إلا قام خلفه سيد ليندبه، لا ليخلفه. خاتمة: في آخر ديوان، أصدره هذا العام، الشاعر فؤاد رفقة قبل وفاته كتب هذا المقطع: من أنت؟ صاحب الأرض ماذا تريد؟ أن تخلي المكان لمن؟ لمستأجر جديد. من يدري، لعله كان يشيع نفسه بنفسه. لقد رحل الآن. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة