«سكاي نيوز» الإنجليزية ستطلق نسخة عربية قريبا وهو خبر مفرح ومضحك معا، لأن المحطة معروفة بحيادها وتوازنها النسبي إذا ما قورنت بزميلاتها في العالم العربي والغربي، ونجاحها متوقع ما لم تغير في خطها. كما أنها في نفس الوقت مملوكة لأخطبوط أو بارون الإعلام المشهور روبرت ماردوك، صاحب «فوكس نيوز» الأمريكية، ومثلما يعرف الكثيرون، المحطة الأخيرة يمينية وتميل بشكل واضح للحزب الجمهوري المحافظ في الولاياتالمتحدة، وهؤلاء يتقاطعون مع المحافظين في كل مكان. مهما اختلفت مستويات المحافظة أو اللفظ المستخدم لوصفهم. فالمحافظ هو التقليدي المتشدد أو المتحيز في حكمه ونظرته للأشياء من حوله، وتتفاوت تسميته في الدول العربية بين «الرجعية» و«التطرف». ولعل الفوارق بين «فوكس» و «سكاي» أكثر من أن تعد، وفيهما إثبات ودليل على أن معظم من يستثمر في الإعلام يبحث عن الربح والجماهيرية، ولا يتحرك ضميره إلا عندما تتحرك مصالحه. ما ذكر لمسته في محاضرة ستيف كلارك عن الإعلام التلفزيوني، وكلارك يشغل منصب مدير عمليات «بلومبيرغ نيوز» في أوروبا والشرق الأوسط. المحاضرة رتب لها نادي الإعلاميين السعوديين في بريطانيا، وتحديدا الزميلين عبدالله الركف ورزان بكر، وأدارتها باقتدار زميلتنا المتألقة نجاة السعيد، وأقيمت يوم الجمعة 20 مايو في جامعة «وستمنستر» وسط جمهور متفاعل من السعودية والمغرب والصين، وحضرتها الدكتورة نعومي صقر، مديرة مركز الإعلام العربي في الجامعة. وكلارك شرح في المحاضرة مشاركته في اختيار الفريق العامل في مجموعة «إم بي. سي» و«العربية» و«الجزيرة انغليش» وبواقع عشرين جنسية عربية في الأولى والثانية، وثمانية وخمسين جنسية في الثالثة، وإن الاقتصاد وسوق الإعلان أولويات لها اعتبارها الاستثنائي في «العربية»، والموضوعات الساخنة والأسرار تسير دفة الإخبار في«الجزيرة» الأم، وإن «قناة الجزيرة» أخذت جانب المتظاهرين ولم تكن محايدة في تغطياتها للثورات العربية، وأشار إلى دوره كناصح ومشارك ل «شبكة الجزيرة» في تأسيس قناة ناطقة باللغة الإنجليزية وموجهه للجمهور الغربي، وأن أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، امتدح «الجزيرة» في مقابلة شخصية بينهما، ولم يتوفر تأكيد من مصدر مستقل، ونحتاج إلى استشارة محمد حسنين هيكل، أو ربما الدكتور عزمي بشارة، من باب الاستئناس بالرأي. وبسؤاله حول تأثير السياسة على الخط التحريري للمحطة الإخبارية. قال كلارك إن السياسة حاضرة ولكنها لا تلعب دورا مركزيا في رفع القيمة الإخبارية لبعض المواد، وودت أن أقول له: «طيب احلف» لولا أن السؤال كان سيبدو غبيا بالإنجليزية، لأن «الحلفان» في الذهنية الغربية لا يكون إلا أمام محكمة، والمحاضرة ليست محاكمة مقنعة بطبيعة الحال، وفكرت في تقديم أمثلة إلا أن الزمن لم يسمح. ما قيل يشبه بدرجة أو أخرى، موقف بارك أوباما في خطاب الفصل الجديد للسياسة الأمريكية، أو ما تناقلته وكالات الأنباء والمحطات الإخبارية يوم الخميس 19 مايو 2011، ولن أقول له: «طيب احلف» لأنه خريج قانون ومن جامعة «هارفارد» ومصداقية أهل المحاماة موثقة في الأمثال الغربية واسألوا بيل كلينتون. الخطاب الرئاسي كان فعلا جديدا في محتواه النظري، إلا في الفقرة الخاصة بإسرائيل، فقد بدا متحاملا ضد الفلسطينين، ولا أجد في التحامل غرابه إطلاقا، فالإعلام ومعه الحكومة الأمريكية، قامت بتصرفات مشابهه في مناسبات مختلفة. من بينها مثلا، أسلوبها في التعامل مع قرار أرييل شارون في سنة 2005، تيمنا أو «تشملا» بما قاله كلارك. أو القرار الخاص بتفكيك المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة. فقد قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، ووصفوه بالشجاع وبالمبادرة المطلوبة للوصول إلى اتفاق شامل وعادل، ولدرجة أن العدوى انتقلت إلى بعض الصحافة البريطانية لتنشر بأن إسرائيل ضحت بالأرض من أجل السلام، وحتى الأممالمتحدة رأت قي القرار خطوة إيجابية يؤيدها المجتمع الدولي، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي، استقال من منصبه كوزير للمالية في حكومة شارون اعتراضا على القرار، بعد أن رأى فيه تهديدا لوحدة الوطن والصف الإسرائيلي، وفرصة قد يستغلها «المتطرفون الفلسطينيون» أو كما قال. والمسألة لا ينقصها تهريج ومزيدات، فالحقيقة تؤكد أن القرار اتخذ لأسباب اقتصادية وأمنية، وبصراحة أكبر لتخفيف الأعباء المالية على ميزانية الدفاع الإسرائيلية، والإحصاءات تثبت بالدليل أن المستوطنات المذكورة لم يتجاوز عددها واحدا وعشرين، وسكانها من المستوطنين ثمانية آلاف وخمسمائة، وأنهم كانوا محاطين ومحاصرين تماما بمليون ونصف المليون فلسطيني. في المقابل لم تخل أو تفكك في الضفة الغربية إلا خمسة مستوطنات غير مهمة. من أصل مئة وواحد وعشرين مستوطنة رسمية. وهذه المستوطنات يعيش فيها مئتان وثمانون ألف مستوطن. والقرار انتقد بمنطقية معقولة في الداخل الإسرائيلي ومن صحافة اليسار وأهل الأكاديميا في بريطانيا. ورأوا فيه محاولة مفضوحة لصرف الأنظار عن بناء المستوطنات المتواصل في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وأمنيا تكلمت الصحافة البريطانية قبل أشهر من صدور القرار عن مواجهات بين القوات الإسرائيلية والمستوطنين في القطاع، وطرحت احتمالات نشوب حرب أهلية طرفاها يهود. وهذا يبعد فرضية التضحية بمصالح المستوطنين لخدمة السلام. بعيدا عن التحليل النفسي للموضوع، أو ما يعرف ب«ذي هوستايل ميديا ايفكت» واستسلامها لفكرة أن كل طرف في المادة الإعلامية قد يصر على تحيزها أو ميلها لمعسكر الإعداء، أو أنها لا سامية أو معادية للعرب والمسلمين. الإعلام العربي والغربي وبشهادة العرب والغربيين أنفسهم، لا يمكن أن يكون محايدا بالمطلق. رغم أنف الثورات العربية المدبرة بليل أو بنهار أو بتلقائية. ونسبة كبيرة مما ينشر أو ينقل غربيا يستسهل «جناية الفعل» أو «سواد الجلاد» على العربي والمسلم، ويتسامح جدا في منح «فضيلة رد الفعل» أو «بياض الضحية» للآخرين، ولا زالت أبحث عن تفسيرات مقنعة، خصوصا أن بعض العرب دخلوا في المعادلة الغربية ضد العرب، وما قيل في الحالة الإسرائيلية أصبح قابلا للقياس على غيره وعلى كلام ستيف كلارك وبدون «حلفان». binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة