مرت ست سنوات تقريبا على حرب العراق، وجاء الرئيس باراك أوباما ومعه أمنيات طيبة بإصلاح ما أفسدته الإدارة السابقة، وهو مهما حاول لن يخرج عن الخط العام للسياسة الأمريكية، فالمعروف أن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تتغير بتغير رأس الدولة وأركان إدارته، مثلما حدث ويحدث في العالم العربي أو في غيره، والفارق بين الحزب الجمهوري والديموقراطي في أمريكا، يمكن تلخيصه في أن الأول صريح ومباشر أكثر من الثاني، وأنه أيضا حاد في خطابه الإعلامي، ولا يمرر مواقفه أو أولوياته من تحت الطاولة مثلما يفعل الديموقراطيون، إضافه إلى أنه لايستخدم لغة منمقة وأنيقة يسكن أو يتحايل بها على جروح ومصائب المتضررين من تجاوزاته، والكلام السياسي «المحكل» لو سمح لي الزميل هاشم الجحدلي، ليس عليه جمرك، وبالإمكان التراجع عنه أو تبريره بسهولة، ولا أجد حاجة للتوضيح فالشواهد الغربية كثيرة لمن يقرأ أو يتابع. في اعتقادي، الاختلاف بين الحرب معروفة الأطراف ومحددة الأهداف، وبين الحرب مجهولة الهوية والوجهة، لايتوقف عند طريقة التعامل الإخباري معها، بل يؤثر كذلك في صيغة الخطاب الرسمي أو الحكومي المقرر لمواجهتها، والمذكور أخيرا له قيمة معتبرة في موضوع الحرب على الإرهاب، لأن التقديم الإعلامي للإرهاب وخصوصا في نسخته الغربية، ينحاز إلى اعتباره تهديدا مؤسسيا مستمرا ومعمرا، والدليل أن حقل الدراسات الأمنية المهتمة بالإرهاب يشهد حاليا طفرة نوعية في العالم الغربي، وهذا ينسجم، إلى حد ما أو في زاوية من زواياه، مع تطلعات الإعلامي تركي الدخيل في مقالته المنشورة في جريدة الوطن السعودية يوم الأربعاء 30 سبتمبر 2009، وعنوانها: «لماذا لانصدر إرهابا حميدا»، والدخيل هو رئيس مركز المسبار للدراسات والبحوث، ومقره مدينة دبي الإماراتية، وقد تزاملت معه في مرحلة اللغة، أيام الدراسة في جامعة «أوريغون» بمدينة «يوجين» في سنة 2000، وكان في ذلك الوقت مبتعثا للدراسة على حساب جريدة الحياة اللندنية. مرة أخرى، البحوث في مجالات الأمن اتسعت بشكل كبير في أمريكا، وتناولت الأبعاد النفسية والثقافية والاجتماعية إلى جانب الانعكاسات الاقتصادية السلبية للإرهاب، بل وسوغت، علميا، الإجراءات المبالغ فيها والمستخفة بحقوق الناس، وكله في سبيل الحد من هذا الخطر، الذي يصعب تمييز حقائقه من أكاذيبه، وفي رأي ستيفن ريس (2007) فالحرب على الإرهاب توفر مصدرا غنيا وملهما، لمعرفة منهجية الإعلام في التعاطي مع الأخبار الكارثية والدسمة، وفي الوقوف على التعريفات التي يتمسك بها ويسعى إلى تسويقها بين جماهيره، والإضافة أن جملة «الحرب على الإرهاب» بدأت في الخطاب الإعلامي الإمريكي في الفترة الرئاسية لجيمي كارتر وقبل سبتمبر 2001، وتوظيفها في المادة المطبوعة أو المتلفزة بدون مصدر أو اقتباس يدعمها، يعبر عن قناعة المؤسسة الإعلامية وموقفها من المادة المنشورة أو المعروضة، وفي ذلك شبهة تحيز بدون شك، وما قاله ستيفن، معقول، لأن الإعلام وتحديدا التلفزيون، يلعب دورا أساسيا في بناء مواقف الناس وأفكارهم، وكتب دوغلاس هايندمان (2004) بأن الإعلام يستمد قوته من جهل الجمهور بما يطرح، وللتذكير فالمعادلة الأمنية تضم إلى جانب الحرب بمعناها الكلاسيكي، كل ما يرتبط بها ك «الحد من انتشار الاسلحة» وبالذات النووية منها، ومعها الأسلوب المناسب لإدارة شؤون الحكم والدولة في أوقات الأزمات، ويدخل في هذا الفهم محاربة الأمراض والأوبئة ك «انفلونزا المكسيك أو الخنازير أو «إتش 1إن1» ومكافحة التلوث البيئي والمخدرات ومعالجة أسباب الركود الاقتصادي الذي يعيشه العالم ويعاني منه ،والحرب على الفقر والمجاعات والمعاملة السيئة للأطفال، وبعبارة إيلي ستامنيس (2004) وكين بوث (2005) فإنها تستوعب كل جهد «جاد» يقوم على تحسين الظروف الحياتية للناس، ويعمل على حمايتهم من أي تهديد محتمل، والعبارة تضيق عند ستيف سميث (2005) وتختصر المسألة في الإنشغال بما يشكل خطرا على أمن الدولة وحدها. الإقناع بالخطر أو التهديد في المحطة أو الجريدة، لا بد من أن يضع في حساباته تعبئة الشارع بالمخاوف والكوابيس والإحالة دائما على المشترك الثقافي والاجتماعي والمكاسب الوطنية والضرر الكبير الذي قد يقع عليها، والهوية الاجتماعية طبقا لتفسير مدرسة «كوبنهاغن 1997» تمثل رابطا بين أمن الأشخاص وأمن الدولة، وهذه الحيلة نجحت نسبيا في الولاياتالمتحدة بعد 11 سبتمبر، عندما وقف الإعلام الأمريكي بكامل عدته وعتاده حينها في صف الإدارة، ولكن الإجماع لم يستمر، وانقسم بعد فترة قصيرة، أو للدقة بعد حرب العراق وفضائح سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو، إلى معسكر إعلامي رافض للحرب وآخر مدافع عن السياسات الحكومية ومؤيد لها، ومن المدافعين على طول الخط، جريدة «نيويورك بوست» و محطة «فوكس نيوز» وكلاهما مملوك للأخطبوط الإعلامي روبرت ماردوك، وقرأت بأن ماردوك يميني متشدد ومحافظ في أفكاره السياسية وفي رؤيته لقضايا الإجهاض والأمور الأمنية والدفاعية، والغريب أنه يملك محطة إخبارية متوازنة وصاحبة مصداقية ك «سكاي نيوز» البريطانية، وبالمناسبة جريدة «نيويورك بوست» أكدت من البداية على أن الحرب ضد الإرهاب عالمية وليست محصورة في منطقة جغرافية معينة.. في كل الأحوال، الأمن لا يتعلق بالأمور العسكرية فقط، و «العسكريتاريا» ليست شرطا في تحديد الأولويات الأمنية، لأن التفاصيل الأمنية واسعة، وأغلبها لا تربطه علاقة بالشأن العسكري أو الحربي، ومن الأمثلة، الحرب الإعلامية التي تقوم بها الفضائيات العربية والغربية على أخلاق المجتمعات وقيمها وما اعتادت عليه، والنص الأمني في الإعلام، كما يقول روبرت انتمان (1993) يمارس انتقائية في مشاهداته للواقع وربما اتفق مع رغبات وأهداف الأمنيين أو من في حكمهم ك «شركات التصنيع الأمني والحربي» والزيادة أنه قد يستغل الوجه الإنساني في تمرير سياسات تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية، وقد يخدم أو يساعد إنسانا في دولة فقيرة ويقتل إنسانا آخر في دولة ثانية، ولأسباب لا علاقة لها بالديموقراطية أو الحرية أو الشعارات المشابهة لها، والإثبات أن إطلاق وصف الإرهاب على شخص أو مؤسسة أو إدراجهم معا في قوائم الإرهاب الدولي، ولو لم يكونوا إرهابيين أصلا، يبرر التصرفات المتجاوزة ضدهم، ويجردهم تماما من أي حقوق أو التزامات، والإرهاب في دنيا السياسة ينقل الموصوف به من المنطقة الرمادية إلى المنطقة السوداء، وهذا الانتقال يفقده الشرعية ويضعه في سجن «الهوية المزعجة» والمأزومة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة