كشجرة موغلة في القدم والبعد لا أصحاب لها .. كقصر خلا لا تسمع فيه إلا صفير الذكريات وإناء ترك لا يعلم هل نسيا أو زهدا تقرع الرياح به الممرات ذات الستر المهتوكة، ككل شيء لم يمسه الموت ولكن تركته الحياة، فلا يعلم لأيهما ينتمي، كتلك الصورة الوجدانية التي تأتي بغتة وترحل كما أتت .. كطفل اختبأ في زاوية بصحبة رغيف وترك العالم يشعل نيران البغض والقسوة وحب الاستحواذ لتستوي عليها لحومه ودماؤه .. كعجوز هرمة وهي تعد الدقائق لتحتضن طيف ولدها الغائب في الدنيا .. كإناء انتصف به الماء لا هو أدرك فاه فلامس العطش ولا هو مجرد قطرات في قاعه لا يبالي ذهابها..! كنحن حين نصيب ونخطئ ونعود لننتصف الطرق والمسافات بينهما .. في رحلة نسميها الحياة، نخاف فيما بين ثوانيها التي تقتات على أعمارنا من نهايتها. وحين ندرك تلك النهاية لا نأسى إلا على ضياع تلك التي كانت تقتات بنا ونحن صيام أو جوعى..! كالسكون ذاته حين يحل بالأماكن بعد أن كانت في صخب مناسبة ما، يستعيد أنفاسه ويعيد الصور على الحائط، ويلتقط فتات الأمنيات لتقيم صلبه لمناسبة أخرى .. كحجر شقها سيل قديم ثم جفت الأرض من حولها وبقيت هي الجرح والشاهد الوحيد .. كعيوننا حين تتعلق في السماء إذا ضاق علينا ما بين أيدينا وهذه الأرض من تحتنا .. كمروحية شراعية تجر خطى فتاة صغيرة أضاعت طريقها حتى إذا التفتت للخلف وقد مضى عمرها خلف الهواء ووهمه .. وكرجل خرج مغاضبا لقومه ثم أدرك بعد أن تجمهر عليه ظلام ليلة دامسة موحشة قيمة ما كان فيه من أنس ومنعة .. كالجمال في هذه الدنيا إن لم يستبق قيمه كان كسحابة لا غيث بها سرعان ما تبعثر الريح وجودها. حسناء محمد