يعاني كثير من الشبان والشابات من غلاء المهور والذي بات ظاهرا في كثير من مناطق ومدن المملكة ما تسبب في عزوف كثير منهم عن الزواج، بسبب عدم قدرتهم على تأمين المهر، إضافة لما يتكبده العريس من تكاليف بسبب بعض المظاهر الاجتماعية التي يحرص عليها أهل العروس والتي تزيد من تكاليف الزيجات، خصوصا في ظل ندرة الفرص الوظيفية للشباب وانخفاض رواتب الشباب وصعوبة الحياة. لكن هناك نماذج إيجابية تبقى علامات مضيئة في المجتمع يجب أن يحذو حذوها، ومن ذلك ما فعله أهالي قرية في جنوب المملكة تدعى «شعف بلقرن» (شمال شرق منطقة عسير) عندما حددوا مهر الفتاة البكر بحيث لا يزيد على 8000 ريال للبكر، و6000 ريال للثيب، ووضعت عقوبات صارمة لمخالفي نظام المهر الذي تم تحديدة، مطالبة أفراد القبيلة بعدم التوسع في ليلة الزفاف بقدر المستطاع والسعي على أن لا تتجاوز مراسيم الفرح منتصف الليل. لكي تضمن تطبيق النظام على الجميع شكلت القبيلة لجنة لمتابعة المخالفات المتعلقة بالمهر المنصوص عليه، وتقوم بأخذ «القسم من العريس ليلة زفافه، بأنه لم يزد على المهر المتفق عليه» سرا أو علنا، ونهجت هذا المنهج في جميع زيجاتها، ومن يخالف ذلك تعزله القبيلة ولا تشاركه في أي أمر يحدث عليه هو وأسرته، وتسعى القبيلة من هذا المنطلق إلى التخفيف على الشباب والمساعدة لهم وكذلك الحد من عنوسة الفتيات. «عكاظ» طرحت مبادرة أهالي قرية «شعف بلقرن» على طاولة النقاش التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بين القبائل، لكنها نموذج يحتذى في التخفيف على الشاب والفتيات وتحصينهم، وأكد المهتمون والمختصون على إيجابية الخطوة وتمنوا لو تطبق في كافة مناطق المملكة. بداية شدد عدد من أفراد القبيلة على على ضرورة الالتزام والتقيد بهذا الاتفاق البناء لأهميته الاجتماعية والاقتصادية ولما يسهل على كثير من الشباب والشابات الزواج دون أن يواجه عقوبات تذك وأكد نائب شيخ القرية سعيد بن مسلي أن هذا الاتفاق يأتي لتأمين مستقبل أبناء القبيلة والنهوض بكافة العقبات التي قد تواجههم تجاه الزواج، والتي تزال من خلال هذه المبادرة الكريمة التي إلتف عليها أهالي القرية، مبدين استعدادهم لتطبيقها.وأضاف «نسعى لأن تكون الحياة الزوجية حياة ناجحة بين الزوجين دون أي عقبات تأتي مستقبلا بعد الزواج كالديون التي تثقل كاهلهم وتزيل عنهم السعادة والفرح». وأبدى شباب وشابات القبيلة سعادتهم بهذه المبادرة التي تزيل من أمامهم كافة العقبات التي تترتب عليها فيما بعد الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تثقل كاهل الزوجين، مما يعرض حياتهم للانهيار والكثير من المشاكل التي تنعكس على واقعهم اليومي ومستقبل حياتهم، حيث أكدت حنين أحمد «أن المهر المقدم قليل ولا يوفي بمتطلبات الزواج ولكن يعتبر حلا لمحاربة العنوسة والتيسير والعدل بين الفتيات، حيث جميع الزيجات بمهر واحد ومحدد ومخالفه يجد العقوبة في انتظاره»، وتعتبر أن هذه الفكرة جميلة ورائعة وتجعل الشباب والشابات مستعدين للزواج دون أن يواجهوا أي مشاكل تذكر. وشددت أم مياسم على بعض المخالفات التي تتم في هذه الزيجات بقولها «الزواج داخل القرية أصبح أمرا سهلا، لكن على الفتيات المقبلات على الزواج عدم تقليد بعض العادات السيئة وتوظيفها في زيجات القبيلة بدعوى أن المهر قليل مع أن هذه العادات قد تحمل العريس أموالا باهظة لا تعدو كونها كماليات فقط.. وأضافت «بعض الأسر تدخل هذه العادات غير المتعارف بها في القرية وذلك سرا وبدون علم العريس ليتفاجأ بها في يوم عرسه، ودون علم اللجنة التي تراقب المهور والمخالفين». واعتبر سعيد محمد القرني أن المهر المحدد مريح ويجعل جميع الشباب يقدمون على الزواج بكل يسر وسهولة، حيث يتزوج الشاب دون أن يعاني من الديون التي تلاحق البعض بعد الزواج مما يجعل في دوامة تفكر دائم عن الطرق والسبل لسدادها مما تهدد الحياة الزوجية بالانهيار.. ودعا سعيد القرني كافة شباب القرية بالزواج المبكر في ظل المهر المحدد والميسر، كما دعا أهالي القرى المجاورة لعدم التكليف على العريس والتيسير عليه في المهر وأمور الزواج. حياة تعيسة هذه المبادرة حمست كثيرا من الشباب الذين يقف غلاء المهور عائقا في طريق زواجهم، حيث قال محمد المالكي «كثير من الشباب يزيلون فكرة الزواج من عقولهم بسبب المهور المبالغ بها التي يطالب بها أهل العروس، ومما يشكل عليه عبئا كبيرا ولا يستطيع الوفاء به ما يجعله يتجه للتدين ممن حوله، ويقع بعد الزواج بإشكاليات إرجاع الدين ويضل عقله طوال فترة الزواج منشغلا بتسديد تلك الديون». ووافقه الرأي زميله نايف القحطاني مشيرا إلى أن «الديون تجعل من الحياة الزوجية تعيسة قبيحة، دون أي جمال يذكر بها بسبب عقليات الكثير من الآباء والأمهات الذين يغلقون الطريق أمام بناتهم بالتكاليف الباهضة للزواج دون أن يكون هناك مراعاة لحال الزوج، وحتى إن كان من أبناء العائلة الواحدة». مفاخرة كاذبة واعتبر مدير عام التوجيه والإرشاد في وزارة الداخلية سابقا الدكتور علي شائع النفيسة، أن هذا الأمر يعكس وعي أهالي القبيلة بأهمية التيسر على الشباب في أمور الزواج، قائلا «للأسف هناك البعض يبالغ في مراسيم الزواج والاحتفال، حيث تنظم من 4 إلى 5 حفلات احتفالا بالزواج الواحد وكل واحد منهم يكلف نفس المبلغ، وهذا أمر مؤسف يحمل الناس فوق طاقتهم». وأضاف: هذه السنة واعية ومشرفة، والهدف يعود لتحصين للشباب والفتيات، وتعكس تدين أصحاب هذه الفكرة، وبين أن ما يقوم به البعض من تكليف على الشباب لمجرد التباهي والمفاخرة المبالغ فيها، ويعكس نقص في أهل العروس، ولكن هذا الأمر له تبعات تقع على الشاب ويجد نفسه من عش الزوجية إلى السجن بسبب الديون الكثيرة. وقاية للشباب وقدم المأذون الشرعي إمام وخطيب مسجد الملك سعود في جدة سعيد القرني، شكره لأهالي القبيلة على هذه المبادرة التي تصب في صالح الشباب وتيسر لهم الزواج والوقاية من المحرمات التي يقي الزواج منها.. وأضاف «هذا الأمر فيه اقتداء للسلوك النبوي الكريم، ويجعل الشاب يعيش في حياه كريمة بعد الزواج، دون أي يبقى حائرا بين الديون وحياته الزوجية». وتمنى القرني أن يقتدي الجميع بهذه المبادرة التي قامت بها هذه القبيلة حتى يضمن الشاب الزواج بكل يسر وسهولة. وأشار إلى أن هذا الأمر يجب أن يحتذي به الجميع لأنها ضربت أروع الأمثلة، لما لهذا الأمر من إعفاف للشباب بالزواج، وتمنى من الدعاة وأمة المساجد ووسائل الإعلام أن ينادوا بتخفيف المهور حماية للشباب والفتيات من الوقوع في الرذائل وتحصينا لهم وتمشايا مع المنهج النبوي الكريم الذي أمر بتسير المهور، وذلك عندما قال عليه الصلاة والسلام «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة» أي أقلهن مهرا، مشددا على أن بركة الزواج بالمهر القليل، لافتا إلى أن هذه المبادرات تجعل الزواج يسيرا وتخفف الاحتقان بين الزوجين وتقلل نسبة الطلاق.