من يمر عبر الطريق الرئيس يعتقد أن سكان هذا الحي قلة، ومن يتوقف في ناحية من نواحي هذا الحي لا يظن سكانه إلا مجرد عمالة، لكن فيما لو تجولت في الشوارع الفرعية أو صعدت مرتفعا يطل على الحي و ما أكثرها، لأيقنت بأن الحي ينطوي على كثافة سكانية كبيرة، و لتأكدت أن هناك الكثير من المواطنين يقطنون الحي الذي كان يسمى الصواعد؛ لكن ما لبث وأن عدلت التسمية ليصبح الرغامة 5 ورغم أن شوارعه قد سميت، إلا أنه ما زال يشتكي الكثير من التجاعيد والحفر، وزادت مأساتهم مع سيول جدة. هم يقصم الظهر وبداية قصة هذا الحي الذي انطلقنا في داخله وتوغلنا فيه كانت مع علي أحمد الدغريري (42 عاما)، الذي وصف معاناة الحي الذي يسكن فيه بقوله: رغم أن هذا الحي يقع في طريق مهم إلا أنه لا يحظى إلا بالنزر اليسير من الخدمات، شوارع الحي تصدر شهادات مرور وايتات الماء إلى الأحياء الأخرى، وبالرغم من قرب محطة المياه التي تنطلق منها هذه الوايتات «الشيب» إلا أنه لا حظ لنا في تمدد شبكة المياه إلى بيوتنا، وحزننا لا يتوقف عند هذا الأمر، فحتى سيارات البلدية تسلك طرق الحي، ومع ذلك ليس لنا سوى عدد قليل من عمال النظافة، حتى أن الناحية الخلفية للحي تحولت إلى مردم للنفايات، وليت معاناتنا توقفت عند هذا الحد، فحتى البنوك رغم أن كل همها هو الاستفادة من كل قرش يدخل خزائنها، إلا أنها لم تفكر حتى هذه اللحظة في إنشاء مكائن صرف آلي لها في داخل الحي، فنضطر للذهاب إلى حي قويزة، الذي يكون مقصدنا كلما مرضنا رغم الضغط الكبير الذي يواجهه المركز الصحي في قويزة. يصمت ويلتفت يمنة ويسرى ويواصل حديثه معنا ويقول: كم أتمنى لو يأتون بحارس آخر يساعدني في العمل، فأنا أعمل حارسا لمدرستين، (متوسطة وثانوية) والتي يصل عدد طالباتهما إلى 870 طالبة. ينتظرون التحسن وبنبرة حزينة قال حارس المدرسة الابتدائية الوحيدة في الحي أحمد محمد شمس (60 عاما)، لا يفصلني عن التقاعد سوى شهر واحد ولا أدري كيف أتصرف بعد التقاعد وماذا أفعل، لكن أكثر ما يؤلمني افتقار الحي لسفلتت شوارعه ولا أدري ما السبب! فالشوارع و الأزقة في الحي أغلبها تراب يتطاير وغبار يدخل في الأعين كلما هبت ريح بسيطة أو مرت سيارة، أتمنى أن يلتفت المسؤولون لحينا بعد أن وعدونا كثيرا في أن التحسن قادم للحي وما زلنا ننتظر. درب للسيل ويقول علي مروان الحربي (41 عاما)، اسكن مع والدي في هذا الحي بعد قدومنا من ضواحي المدينةالمنورة، فقد كنا من قبل نتنقل من مكان لآخر، بحسب توفر الماء و الكلأ لأغنامنا، لكن والدي تعب وقرر الاستقرار ولهذا جئنا إلى هنا، وسكن في الجهة الغربية من الحي مبتعدا عن مسيل الوادي الذي ضربه السيل الأول، وهذا المكان كان عبارة عن حفرة كبيرة نتيجة تفريغها من التراب، بعدها ردمت بمخلفات البناء والسيارات التالفة وقطع الخشب و الحديد و غيرها، وأقيم عليه مخطط سكني، وقد حاول والدي إبلاغ الجميع أن هذا المخطط هو درب للسيل، لكن لم يستمع إليه أحد وحدث ما حدث في سيل جدة، ولم يتوقف والدي، بل كان مع مجموعة من سكان هذا الحي في دخول بعض الخدمات التي ما زلنا ننتظرها منذ زمن بعيد. مخطئون لكن ويضيف سالم سويلم المحمادي (51 عاما)، القضية ليست قضية ماء يحتاجه الحي، إنما قضية خدمات فقط، بل إنه لا وجود لشبكة الصرف الصحي مما جعل كثير من أصحاب البيوت يحفرون آبارا تمتد لعمق خمسة أمتار حتى يصلوا إلى المياه الجوفية لتصريف ماء الصرف فيها. ورغم خطأ ذلك التصرف، لكن ماذا نفعل فليس باليد حيلة فضلا عن أن شفط تلك المياه بواسطة الوايتات مكلف ولا طاقة لنا به، ويبدي امتعاضه من أوضاع الحي ويقول: عندما تعرض الحي للسيل في شهر ذي الحجة كان هناك اهتمام كبير من البلدية وكنا نشاهد عمال النظافة بأعداد كبيرة صباحا ومساء، حتى أننا لم نكن نرى قطعة ورق في أي شارع من شوارع الحي؛ لكن بمرور الوقت بدأت أعدادهم تقل حتى أصبحنا في بعض الأوقات لا نرى إلا عاملا واحدا يلتقط فقط علب المرطبات والكراتين ويترك النفايات، ونفس الحال الطريق الرئيس الذي أخذ وقتا طويلا حتى تكتمل سفلتته، ومع ذلك لم تتم بشكل جيد حتى إننا تمنينا بقاء الطريق على حاله السابق بدلا من سفلتة مرقعة! فيما تشتكي الشوارع الفرعية من إهمال شديد حتى أن بعضها باقية على حالها مثلما عرفها السكان الأوائل دون أن تتغير معالمها. كله تمام وعلى الرغم مما سمعناه ورصدناه، إلا أن عبد الله محمد الرباشي(47 عاما)، يكتفي بقوله: من فضل الله تعالى كل شيء متوفر في هذا الحي و الأمور رائعة، وكافة الخدمات متوفرة ولله الحمد ولا ينقصنا أي شيء، كما أن عمال النظافة يؤدون عملهم على أكمل وجه. بيوت تسكنها الريح وفيما نحن نجول داخل الحي تبرع عبد الله مسعود الجهني (39 عاما)، بمرافقتنا في جولة نحو الجزء الشرقي من الحي و هو الجزء الذي شهد ميلاد السيل وتلقت صدمته الأولى بعض بيوته التي تركها سكانها ولم تعد سوى موطن لبعض الطيور وصرير الريح بالرغم أنها قد شيدت وفق بنيان مكلف وبواجهات راقية، وبعض أثاثها حوله بعض السكان إلى متاريس لحماية منازلهم من السرقات إذ استخدموها كدروع خلف الأبواب الموصدة، فيما لم تحتمل بعض الأبواب إصرار السارقين بالطرق المتواصل عليها فخرت صريحة ونهبوا ما بداخلها، وتحولت بعض البيوت إلى مكان لتجمع الحشرات والنباتات بعد أن أصبحت مساحة البيت تشتكي من الرطوبة. من يشتري واختتمنا جولتنا في هذا الحي، إذ التقينا صالح عبد الله الحربي، الذي قال: كنت أسكن هنا ولسلامتي وسلامة أسرتي قررت الرحيل وعرضت البيت للبيع؛ لكن لم يتقدم أحد لشرائه حتى الآن!.