من المفاجآت التي نستغرب لها أن القلم الرصاص لا يحتوي على رصاص. ولا حتى «فتفوتة» رصاص، نظرا لأنه من المواد السامة التي ممكن أن تسبب العديد من المشكلات بدءا بالجلد، ومرورا بالأمعاء، والدم، والجهاز العصبي. قلب القلم الرصاص يحتوي على خليط من الطمي وكربون الجرافيت بداخل الإطار الخشبي و «بس».. والغريب أن الرصاص يختفي في الأماكن التي تتوقعه أن يكون موجودا فيها، ويظهر في الأماكن غير المتوقعة، ومنها المكياج على سبيل المثال. تخيل أنه كان يستخدم كأحد مكونات كحل العين نظرا لأنه «ثقيل» ولأن تحويله إلى خلطة «عجينة» ليس صعبا. وكان يستخدم أيضا كمادة مبيضة للبشرة من خلال تأثيره على الدورة الدموية. يا ترى كم سيدة ذهبت ضحية لهذه الخلطة القاتلة عبر التاريخ؟. وعلى سيرة الضحايا فسنجد أن هناك إمبراطوريات بأكملها تأثرت بالرصاص، ومنها الإمبراطورية الرومانية التي تألقت بتقنيات السباكة المتطورة للمنشآت المختلفة. كان جلب المياه لمدن بأكملها ومن ثم التخلص منها بعد الاستعمال من الروائع الهندسية للحضارة الرومانية. ولكن تلك التقنيات اعتمدت على الأنابيب المصنوعة من الرصاص نظرا لأنها كانت من المعادن المتوفرة بكثرة، ونظرا لسهولة تشكيلها وكأنها عجينة، ولدرجة حرارة انصهارها المنخفضة نسبيا. والملاحظ أن كلمة السباكة اللاتينية هي «المرصص» Plumber. وجذرها هي كلمة Plumbum على وزن «بوم بوم» ومعناها الرصاص، ورمزه الكيميائي هو Pb اختصارا لجذر الكلمة اللاتينية. ولك أن تتخيل مرور المياه الداخلة إلى المدن عبر الأنابيب المصنوعة من المادة السامة. كارثة بيئية بطيئة كانت تتسرب إلى دماء البشر. ويقال إن هذه «الخلطة» القاتلة كانت إحدى مسببات سقوط الإمبراطورية الرومانية عبر التاريخ لما كان لها من أثر على صحة البشر الجسمانية والعقلية أيضا فكثير من قرارات المسؤولين أدت إلى سقوط ذلك الكيان الهائل. وغريب أمر الرصاص لأنه أثقل مادة مستقرة على كوكبنا. ولكنه يمثل ما يشبه «سلة نفايات» للمعادن المشعة. وتحديدا، فعندما تفقد «قبضايات» المعادن المشعة بعض من كتلتها بسبب تسرب الإشعاعات تتحول من مادة إلى أخرى مختلفة تماما، وسبحان الخالق العظيم: تخيل مثلا أن مادة اليورانيوم المشعة تنفث الجزيئات لتتحول إلى مادة أخرى بالكامل وهي «الثوريوم»، وهي من المواد المشعة التي تنفث جزيئات لتتحول إلى مادة «الراديوم»، وهي مادة مشعة أيضا. ولو تركتها في حالها فستتحول إلى مادة «رادوم» المشعة، ثم تتحول هذه إلى مادة «رادون» المشعة، ثم تتحول هذه بدورها إلى مادة «البولونيوم» المشعة، ثم تتحول هذه إلى رصاص. كل هذه التحولات تنتهي بالرصاص بدون أن «ينكشها» أحد. معلومة أغرب من الخيال. ويذكرني الرصاص في هذه السلسلة بصندوق شكاوى الخطوط السعودية الذي ينتهي في مكتب صغير في آخر الدنيا وكأنه «حمال أسية» العالم فهو مثقل بما تخلصت منه الجهات الأخرى. وعلى سيرة الثقل فبسبب كثافة الرصاص ورخص ثمنه نسبيا يستخدم في صناعة القذائف الصغيرة. والعجيب أنه لا يصلح بمفرده في القذائف لأنه ينصهر على درجة حرارة منخفضة نسبيا تبلغ حوالى ثلاثمائة درجة مئوية فقط، وبالتالي لو كانت القذيفة حارة فستتحول الرصاصة إلى سائل وتفقد خصائص طيرانها المهمة، ولتفادي ذلك، يتم تغليفها بداخل إطار نحاسي. فمعظم الرصاص الذي نراه في المسدسات والبنادق هو ذلك الإطار النحاسي.. وبالرغم من أن الرصاص من المواد البيئية الملوثة الخطيرة والتي تتطاير عبر القارات فتهدد البشر في العديد من الأماكن، إلا أن العالم يستخدمها في الصناعات المختلفة بشكل لا يتناسب مع الكميات المتوفرة طبيعيا لدرجة أن من المتوقع أن ينضب الرصاص في العالم خلال أقل من أربعين سنة. أمنية وكلمة «ترصيص» تعكس ما يقوم به العجلاتي عادة لضبط العجلات وللتأكد من «وزنيتها» خلال دورانها، ويستخدم قطع الرصاص لتأكيد ذل، ويبدو أن هذا ما تمارسه بعض أنظمة الدول العربية التي تعاني من فقدان علاقة قيادتها مع شعوبها، فتلجأ إلى استعمال الرصاص لتقويم أمورها. ولكنها للأسف تستعمل الرصاص القاتل. كيف فقدت هذه القيادات علاقاتها مع جماهيرها التي تمثل عزوتها؟. أنظروا في كمية الرصاص التي أطلقت على المدنيين الأبرياء خلال الأشهر الماضية، وستجدون أن في ذلك الرصاص الخزي العظيم. أتمنى أن ينصر الله المدنيين العزل ويحميهم من رصاص المتمسكين بالكراسي. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة