تتداعى في ردهات مستشفيات الصحة النفسية قصص مكتوبة بحبر الواقع الأليم، أبطالها يعيشون خارج حدود حراك الواقع، وفي بعض الأحيان تصبح سيناريوهات التعامل مع المعتلين نفسيا أكثر سخونة، خصوصا حينما يصطدم المشرفون على الحالات من أطباء وممرضين بمريض عدواني السلوك، وفي خضم التعاملات الشائكة في ردهات وعنابر المرضى تكون المهدئات والابتسامة الصادقة واللطف خير وسيلة لكبح هوجته، ويؤكد المتعاملون مع المرضى النفسيين أنهم يصبحون أكثر عدوانية بعد عودتهم من الإجازة كما أن تسكعهم في الشوارع يعتبر خطرا عليهم وعلى المارة. ولأن العاملين في مستشفيات الصحة النفسية يعملون في ظروف استثنائية فقد اقتضت الظروف إقرار صرف بدل (نفسية يتراوح بين 500 ريال إلى 3000 ريال شهريا وذلك باختلاف الفئات العاملة في المستشفيات من أطباء وفنيين. «عكاظ» التقت بفنيين سبق أن عملوا في مستشفيات الصحة النفسية ورصدوا العديد من المشاهدات والقصص، يقول الممرض زاحم العتيبي الذي عمل في مستشفى الصحة النفسية في الطائف إن نزلاء المستشفى تتم معاملتهم بلطف وإنسانية كبيرة، حيث يتم توفير كافة المستلزمات لهم سواء من وسائل ترفيه وتلفزيونات وصحف أو مستلزمات شخصية وغيرها بخلاف الخدمات العلاجية والتأهيلية والمتابعة المستمرة. السماح بالخروج وحول متطلبات النزلاء، قال العتيبي إن البعض منهم يطلب الاتصال بذويه ويتم ذلك بناء على التنسيق مع رؤساء الأقسام والأطباء، فيما يسمح للنزلاء بإجازة للخروج مع أسرهم كما يسمح لذويهم بزيارتهم في المستشفى. سلوك عدواني وعن الحالات العدوانية للنزلاء، قال الممرض السابق إن غالبيتها تأتي بعد عودة النزلاء من الإجازة الخارجية لهم، حيث يتوقفون عن تناول العلاج ولدى عودتهم يتحول سلوكهم للعدوانية والعنف، وأكد أن أحد النزلاء قبل سنوات عدة وفور عودته لوحظت عصبيته الزائدة فقرر الطبيب صرف دواء معين له وعند محاولة إعطائه العلاج بدأ النزيل بالتلفظ ومحاولة التهجم على الممرضين والنزلاء لتتم السيطرة عليه بهدوء وإعطاؤه المهدئات اللازمة وبعد ساعات من ذلك عاد النزيل للاعتذار عن التصرفات التي بدرت منه. حسن المعاملة وأضاف الممرض العتيبي أن النزلاء يكونون صداقات مع بعضهم البعض ومع العاملين في القسم نتيجة حسن المعاملة التي يتلقونها، فيما تختلف حالات النزلاء بين نزيل وآخر حيث تجد البعض منهم كثير الحركة يقابله نزلاء لا يتحركون إلا قليلا فيما البعض منهم كثير الكلام وآخرون يلتزمون الصمت. ظروف عصيبة ويستطرد العتيبي أن العاملين في مستشفيات الصحة النفسية ورغم خدمتهم لفئة في حاجة للرعاية والاهتمام إلا أنهم يعانون من التعامل مع هذه الفئة سواء من حيث التعامل أو خطورة العمل في بعض الأوقات وغيرها من الظروف التي بموجبها يصرف ضمن لائحة البدلات الصحية بدل نقدي يتراوح بين 500 ريال إلى 3000 ريال، باختلاف الفئات العاملة من مساعدين صحيين إلى أطباء استشاريين ويصرف البدل بشكل شهري وبمبلغ ثابت مما يبرز حجم العمل والظروف التي يعانيها العاملون في مستشفيات الصحة النفسية. تلافي السلبيات من جانبه، أكد الممرض رشيد الشهيب والذي عمل سابقا في مستشفى الصحة النفسية في الطائف أن العاملين في مستشفى الصحة النفسية يعاملون النزلاء بكل لطف ويولونهم اهتماما كبيرا ويوفرون لهم سبل الراحة. وعن أبرز المشاهدات التي رصدها خلال عمله، قال الشهيب بأن بعض النزلاء تنتابهم حالات عدوانية ويحاولون الاعتداء على الممرضين والأطباء أو حتى النزلاء الآخرين وهذه الحالات يتم التعامل معها بشكل فوري عن طريق تهدئة النزيل وإعطائه المهدئات، مشيرا إلى أن هناك خططا لتلافي سلبيات مثل هذه الحالات، منها تهدئة النزيل متى ما لوحظت عصبيته وسرعة صرف المهدئات وغيرها من الإجراءات التي تأتي وفق الأنظمة وتعليمات الأطباء وإدارة المستشفى وتوجيهات وزارة الصحة التي تصب جميعها في خدمة النزلاء وتوفير جميع سبل الراحة لهم. رفض الأدوية ويكشف الشهيب أن بعض النزلاء يرفضون تناول الأدوية أو يتحايلون بتناولها رغم خلاف ذلك، لذلك يحاول المشرفون على علاجهم التحايل معهم ويعتمد التحقق من تناولهم لها أمام الممرضين والأطباء وذلك لمنع تهيج حالاتهم. ويؤكد الشهيب أن الممرضين والأطباء والعاملين في مستشفى الصحة النفسية يتعاطفون مع جميع النزلاء ويعملون على خدمتهم وتوفير كافة احتياجاتهم وذلك من واجب عملي أولا وعمل إنساني بحثا عن الأجر من المولى عزل وجل كون فئة المرضى النفسيين في حاجة للاهتمام والرعاية والخدمة من جميع شرائح المجتمع خاصة أن البعض منهم رفضهم المجتمع وأسرهم وأصبحوا لا يرغبون في مغادرة مستشفى الصحة النفسية لم يحظون به من رعاية. حقوق الإنسان : تجوُّل المرضى النفسيين في الشوارع خطر عليهم وعلى الآخرين وبدورها أكدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تنفيذها لجولات على مستشفيات الصحة النفسية في المملكة للاطلاع على دور هذه المستشفيات في خدمة المرضى النفسيين ورعايتهم وعلاجهم وتأهيلهم، مشيرة إلى أنه وخلال جولاتها في الفترة الماضية رصدت بعض الملاحظات الفردية والتي عولجت في حينه. مشيدة في ذات الوقت بتجاوب المسؤولين في هذه المستشفيات وبالدور الكبير الذي تقوم به لخدمة هذه الفئة، وقال عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المستشار القانوني خالد الفاخري إنه وضمن توجيهات رئيس الجمعية تولي الجمعية اهتماما كبيرا بنزلاء السجون ومقرات التوقيف والمصحات النفسية ودور رعاية الأيتام والفتيات وغيرها، حيث تقوم بجولات على هذه المواقع للاطلاع على الدور الذي تقوم به هذه الجهات لنزلائها من الموقوفين والسجناء والمرضى وغيرهم، ويتم تدوين الإيجابيات والسلبيات في كل جولة لرفعها للجهات ذات العلاقة، وحول مستشفيات الصحة النفسية رأى الفاخري أنها وبشكل عام تقوم بمهام عديدة ولوحظ اهتمامها الكبير بالنزلاء من حيث تقديم العلاج والرعاية والتأهيل، وأبان الفاخري أن الملاحظات، إن وجدت داخل مستشفيات الصحة النفسية، تكون فردية مشيرا إلى الطموح بالمزيد من الاهتمام لنزلاء مستشفيات الصحة النفسية في المملكة. وعن وضع المرضى النفسيين في الشوارع قال الفاخري إنه من المفترض أن يتوافر لهم الاهتمام لحمايتهم من أنفسهم وحماية الآخرين، حيث إن البعض منهم يرتكب مخالفات نظامية فيما يصاب آخرون منهم بسلوك عدواني ينتج عنه سلبيات عديدة، وشدد الفاخري على ضرورة توفير العلاج والتأهيل لهم ومعاملتهم معاملة خاصة. وحول وضع بعض المساجين الذين يعانون من أمراض نفسية، قال الفاخري من وجهة نظري أرى ضرورة إيجاد فحص طبي وفحص نفسي لأي سجين أو موقوف قبل إدخاله للتوقيف لحمايته وحماية المساجين، مشيرا إلى أن حالات الانتحار داخل دور التوقيف والسجون تأتي نتيجة ضغوطات وحالات نفسية مما يبرز الحاجة إلى إجراء الفحوصات الطبية والنفسية على الموقوفين والسجناء قبل إدخالهم لدور التوقيف والسجون.