على مقربة من مكتب " الرياض " بالقاهرة، ثلاثة كيلو مترات الى الجنوب، يقع المكان الذي سجل لنفسه أول سابقة في التاريخ، والذي ألهب الخيال الشعبي بمئات القصص التي صيغت على غرار الأساطير القديمة، خيال مجنح لا تردعه كشف الحقائق ولا استحالة الواقع تسانده حبكة قصصية محكمة وقادرة على تزيين المشهد فيبدو مقنعا، وضعية تؤكد على أن مصر ولادة بالروائيين وكتاب القصة خاصة وأمامهم " مادة جاهزة ومغرية " المكان هو " سجن طرة " بوضعه الغريب، فالطبيعي أن يكون بداخل أي دولة " سجن "، أما سجن طرة فوحده بداخله دولة، فبين أسواره كل الأجهزة أو ممثلون عنها... الرئاسة ورئيس الوزراء والوزراء ومجلس الشعب والشورى والأحزاب وممثلون للشعب من المحتجزين السابقين.. والمشاهير الى الان 26 ويضاف إليهم كل يوم رقم جديد جارٍ في أعقابه قصص جديدة.. ولأن أحدا لا يرى النزلاء الجدد ولا يعرف كيف يعيشون أو يعاملون فقد أفسح غياب اليقين ساحة هائلة بسط فوقها الخيال جناحيه وراح ينسج القصص بحرية، ووجد في كثير من المطبوعات الصحفية أداة لترويج معطياته على أنها حقائق مؤكدة.. قالوا إن مأمور السجن أصر أن يقص شعر النزلاء الجدد على الزيرو.. وقالوا إنه أصر على رش الأجسام بالبودرة طاردة البراغيث، وقالوا إن أحدهم يقضي وقته في البكاء وآخر في العزلة وثالث في الصلاة، وقالوا إن السجن قد تغير الى منتجع سبعة نجوم حيث مراتب جديدة بمواصفات خاصة ومكيف لكل نزيل وشاشة عرض 36 بوصة وجهاز محمول يحمله طوال الوقت الى خارج الأسوار عبر " الدردشة " مع الأهل والصحاب، وقالوا إن النزلاء قد شكلوا فريقين لكرة القدم، وقالوا إن عربة فاخرة ومجهزة لل " آيس كريم " الذي يحبه النزلاء تدخل اليهم، وقالوا ان مطعما خاصا أعد لهم بلغت أسعاره أرقاما فلكية، حيث كيلو الكباب ب 400 جنيه وساندوتش الفول أو الطعمية ب تسعة جنيهات، وقالوا ان أحد النزلاء لم تعجبه الحمامات، فأقام لنفسه حماما على نفقته الخاصة كلفه 12 ألف جنيه. 23 ألف سجين تمكنوا من الهرب.. تم ضبط وإعادة 15 ألفاً منهم الى السجون الحكايات يومية وكثيرة، بعضها رغبة في التشفي وبعضها يعكس رفض التصور في استيعاب أن أصحاب النفوذ والسلطة وساكني القصور الفخمة يمكن أن يستسلموا لجدران " الزنزانة " ..الحكايا كثيرة ومتضاربة، والصحف تبحث عن قارئ إضافي، وتجد في هذه الحكايا مادة مغرية فتضيف اليها وتروجها، نادرا بأمانة النص، وغالبا بالخروج عليه أو بترجمته حسب الرغبة والهوى.. من هذا كله رأينا الرجوع الى المسؤول الأول عن السجون، الى اللواء نزيه جاد الله مساعد أول وزير الداخلية لقطاع السجون لتوضيح الصورة .. * اللواء نزيه .. جئت إليك بعشرات الحكايات، حول معاملة ... - ( مقاطعا ) أنا مثلك تماما سمعت ما سمعت أنت وربما أكثر، قليل من هذه الحكايات اعتمد على واقعة عادية وبسيطة ثم حولها الخيال الشعبي كما تقول الى عمل فني اجتهد في حبكته، وللأسف بعض الصحف ساعدت على ترويج القصص جريا خلف الاثارة.. طبيعي أن المواطن العادي يتساءل: ترى هل سيحلقون شعر الوزير فلان – كعادة النظافة الشخصية في السجون – أم لا؟ وهل سيذعن أم يعاند، ولأن المواطن لا يعلم حقيقة ما جرى يبدأ في وضع الفرضيات.. ( تلاقيه كذا أو كذا ) وطبيعي أيضا أن مثل هذه الفرضيات تتنامى مع انتقالها من شخص الى آخر لتصبح " إشاعة كبيرة " تتلقفها الصحف بوصفها ( تسريبات لأخبار حقيقية ).. مع أن هذا كله لا يخدم قضايانا.. لاتفريق بين السجناء .. ومن حق السجين احتياطيا الحصول على وجبات من الخارج وممارسة الرياضة دعني أولا أوضح لك أمرا.. السجون المصرية ومنذ مدة طويلة شهدت طفرة وتطورا كبيرا، لم تعد السجون " تهذيباً وإصلاحاً " وهذا كل شيء، وإنما أصبحت مؤسسة حضارية تراعي القيم الانسانية، ومكانا لما يمكن أن نسميه " العدالة المطلقة " فلا تمييز بين نزيل وآخر بسبب مكانته الاجتماعية أو السياسية، فقط نحن نفرق بين نزيل يقضي فترة للعقوبة وبين نزيل آخر ما زال قيد التوقيف والتحقيق وقد يثبت أنه بريء، ومع ذلك يكاد الفارق يكون بسيطا يتمثل في السماح للموقوف بتلقي طعام من الخارج ولكن هذا الفارق لا يصل الى حدود الرفاهية التي تروجها الاشاعات، يعزينا أنه يكفي أنه كان موضع شبهة أو اتهام والا لما قدم الينا. اللواء نزيه جاد الله يتحدث ل « الرياض « هذه واحدة، الأمر الثاني أن العديد من السجون المنتجة قد تتحول الى " مؤسسة انتاجية " ، أنشئت بداخلها مصانع مختلفة المجالات تسهم فى دفع عجلة الإنتاج في المجتمع المصري .. كمصانع الأخشاب والأثاث ومصانع الأحذية والملابس الجاهزة ومصنع لإنتاج الحلاوة الطحينية ومصنع للأعلاف ومحطات لتربية وتسمين الماشية والأغنام والدواجن والأسماك وجميع العاملين بها من المساجين ، كل هذه المصانع ساعدت الغالبية من المساجين في الحصول على مصدر رزق مناسب يستطيعون إرسال جزء منه لأسرهم لمساعدتهم على مواجهة أعباء المعيشة ، ولكن بعض هذه المصانع تحطمت وسرقت أثناء الأحداث الأخيرة مستغلين حالة الفوضى التي حدثت وتم فيها تهريب عدد كبير من المساجين ونقوم حالياً بتنفيذ خطط لإعادة بناء السجون مرة أخرى لما كانت عليه وأفضل، انما نحتاج لوقت ليس بالقصير فالخسائر فادحة . * ولكن يبدو أن تجهيز السجون لم يعط الأهمية الكافية لتحصينها والا ما حدث اقتحام السجون أثناء أحداث يناير بهذا الشكل المنظم في معظم سجون الجمهورية ؟ - بشهود المساجين وتحقيقات النيابة ثبت أن هناك مجموعات خارجية مسلحة ومنظمة استطاعت اقتحام بعض السجون وتهريب عدد كبير من المساجين منهم بعض المحكوم عليهم في قضايا سياسية هامة وترحليهم إلى بلادهم. *هناك أكثر من9 آلاف سجين هارب من مختلف السجون المصرية ألا يشكل هذا تهديدا لأمن المجتمع ؟ - عقب الأحداث تمكن أكثر من 23 ألف سجين من الهرب ، واستطاعت القوات المسلحة وأجهزة الأمن بوزارة الداخلية ضبط أكثر من 15 ألف سجين وبعضهم سلموا أنفسهم، وهناك ما يقارب من 8 آلاف سجين مايزالون هاربينً ولا يمر يوم إلا ويتم فيه ضبط مجموعة منهم . * ترددت مؤخرا عدة شائعات في الصحف حول المعاملة الخاصة لرجال النظام السابق داخل السجن ؟ - جميل منك أن تسميها باسمها " شائعات " والشائعة غالبا ما تكون مختلقة.. جميع رموز النظام السابق تطبق عليهم لوائح السجون شأنهم شأن أي نزيل آخر بلا أدنى تفرقة . *وبالنسبة لاستخدام المحمول وتركيب مكيفات في زنزاناتهم ودخول عربة آيس كريم داخل السجن ؟ - يحظر تماماً على المسجونين استخدام التليفون المحمول داخل السجون وذلك تنفيذاً للوائح والتعليمات حيث يمنع القانون الاحتفاظ بالتليفون المحمول ، ويقوم النزيل عند دخول السجن بتسليم كل المتعلقات الخاصة به ومنها التليفون وتودع بالأمانات فور وصوله. وإذا افترضنا قيام أحد المسجونين بتهريب تليفون محمول وتم ضبطه يحرر محضر ويعرض على النيابة كما يتعرض للجزاء المقرر فى لوائح السجون . ولا توجد أجهزة تكييف بالزنزانات، المناخ لدينا لا يحتاج، والظروف لا تسمح، ولكن كل زنزانة مزودة بمروحة سقف وشفاط لطرد الهواء الفاسد ومبرد للمياه وسخان كهربائي بدورة المياه ، ويتم تركيب تلك الأجهزة بمعرفة المصلحة تنفيذاً لإستراتيجية وزارة الداخلية الرامية إلى الدفع الدائم فى اتجاه إعلاء قيم حقوق الإنسان . *هناك تخوف من تجمع رجال النظام السابق في مكان واحد؟ - تجمع المذكورين فى هذا السجن يرجع لتأمينه الجيد بالإضافة لقربه من أماكن التحقيق وتوزيعهم فى عدة سجون يخل بمنظومة الأمن ، ولاخوف من تجمعهم فى هذا المكان حيث لا يلتقون إلا بالمصادفة ولا يسمح بتجمعهم لمخالفة ذلك للوائح السجون ، وهؤلاء يحرصون على الالتزام بتنفيذ لوائح السجون لتفادي توقيع عقوبات مخالفة لائحة السجون عليهم . *تردد مؤخرا أن الدكتور أحمد سرور يعاني من أزمة صحية حادة وهناك من ردد بأنه أصيب بالزهايمر ؟ - بالفعل الدكتور أحمد فتحي سرور كان قد تعرض مساء الخميس قبل الماضي لوعكة صحية تمثلت في ارتفاع في ضغط الدم وتم علاجه بمعرفة أطباء مستشفى السجن ونتابع حالته الصحية بانتظام أما مسألة الزهايمر فيحددها الاطباء . *تردد أيضا أن السيد زكريا عزمي كان قد طلب طبيبه الخاص ؟ - يوجد بمستشفى السجن فريق طبي على اعلى مستوى يقوم بتوقيع الكشف الطبي الدوري على جميع المحبوسين وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم ، ولم يحدث أن طلب السيد زكريا عزمي طبيبا خاصا ، وفى حالة احتياج أي محبوس لرعاية طبية لا تستطيع مستشفى السجن تقديمها يتم نقله على الفور لمستشفى خارجي بعد موافقة المستشار النائب العام . * هل هناك ما تود أن تنصح به ؟ - أنصح بالصبر والتريث الى أن يظهر كل شيء، وأنصح الصحفيين بتحري الحقائق اشباعا لشرف المهنة وارضاء للواجب والضمير.. * هل لدى سيادتكم إضافة أخرى ؟ - نعم.. أعدك بدخول سجن طرة..! ارتبكت قليلا، ولكن اللواء نزيه لاحظ ذلك، فبادر بالإضافة ضاحكا كصحفي زائر أقصد..