نختال إعجابا بالتقدم الأوروبي. ونصل لحد الإبهار عن الإبداع الأمريكي تحديدا في مختلف المجالات، وسرعان ما يشدنا الحديث عن التطور الآسيوي المذهل في دول مثل اليابان وكوريا مرورا بماليزيا، وعند حد الصين نضع العديد من علامات الدهشة والاستفهام، فهي الكيان السكاني الضخم الذي يتجاوز عدد سكانه مليارا وثلاثمائة مليون نسمة. شهدنا في سنوات قلائل نهضتها الكبرى، حتى غزت العالم كله بمختلف منتجاتها فضربت اقتصادات دول عظمى. ووسط هؤلاء جميعا نقف نحن محلك سر. لأننا نعشق الفرجة فقط، فما قامت لنا صناعة واحدة نفاخر بها، ولا منتج نتحدى به، بل نتحدى بعضنا البعض بأفضلية هذه على تلك ونحن لا نملك من هذه وتلك شيئا. اللهم إلا الإشادة بما يقدمون ويصنعون. ومهمتنا نحن الترويج لما يقدمونه حتى أصبحنا خبراء التسويق الإعلامي لهم دون مقابل. وتساءلت بيني وبين نفسي عن سر انطلاقة العالم من حولنا، ووقوفنا نحن في مكاننا، فما وجدت من فوارق بيننا وبينهم إلا عبارة من كلمتين. متمثلة في السلوك الإنساني. أو السلوك الانضباطي. والسلوك الانضباطي علم وضع أسسه الإسلام، وطبقه غير المسلمين وتفوقوا به علينا، قرأوا منهج ديننا ونفذوا روحه نصا وعملا. وأصبحت حياتهم تجمع بين المسؤولية واحترام القانون والنظام وحقوق المواطنين والإخلاص في العمل والتفاني فيه، وكانت الثمار الإبداع والتفوق والمنافسة الشريفة، أما نحن فننام حتى الظهيرة ونستيقظ على منتج عالمي، من طائرة حديثة إلى جوال نتهافت عليه. لقد وهبنا الله العقول النيرة، ورزقنا بالأموال التي لا حصر لها، والتي يمكنها أن تبني دولا وتقيم أمما، ولأننا لم ننهض بعد من سباتنا العميق، فنجدنا نغرق في «شبر موية» وما حدث من سيول جدة ليس ببعيد، والفرق بينها وبين كارثة اليابان الكبرى، أن الأخيرة استطاعت تجاوز الكبوة وتلافيها والتعافي منها، في حين أننا ما زلنا نتحدث عن كارثة السيول ونتناول الحديث عنها ونترقب ما يمكن أن يحدث من كارثة مماثلة وفي نفس المدينة. إن السلوك الإنساني.. والتقويم الانضباطي هو مربط الفرس بيننا وبين غيرنا الذين سبقونا، ميزتهم أنهم قرأوا قواعد ديننا وسرعان ما وضعوا أسسه موضع التنفيذ فصاروا يعملون ويكدون ويسعدون بما يقدمون. ورغم أننا في القرن الواحد والعشرين لم نسأل عما قدمنا لأنفسنا والعالم من منج نباهي به، إلا فاسدين ومفسدين يملؤون محطات الفضائيات بما اقترفوا دون وجه حق، ودون مراعاة لقانون أو نظام. إننا نباهي بفنون غيرنا وتفوقهم في شتى العلوم والأبحاث.. ونفاخر بحريتنا في كشف المتسترين ومحترفي التجاوزات على حقوق المواطنين فهل نستلهم وعي خادم الحرمين الشريفين ونحقق أحلامه نحو الاستحواذ على العلوم كما فعل عندما أسس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. ومضة يقول أحدهم: إن الفرق بين بريطانيا العظمى والولايات المتحدةالأمريكية 500 سنة تقدم. وأتساءل كم يكون بيننا وبين بريطانيا..! أيضا يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: إن الحرية التزام. وأقول: إن ديننا وضع قواعد الحرية والتزاماتها ويبقى السلوك الإنساني هو معيار الطريق لنبدأ النهضة.