خاضت بلادنا قبل حوالى ست سنوات تجربة الانتخابات للمجالس البلدية، هذه التجربة التي طبقت لأول مرة منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما بهذا الشكل الشامل، فقد أثبتت هذه التجربة جاهزية الجهات الرسمية، وأفراد المجتمع السعودي لاستيعاب وخوض هذه التجربة الفريدة التي تهدف إلى توسيع المشاركة الشعبية من كافة شرائح المجتمع لتدارس هموم ومستقبل ومشاكل الخدمات البلدية في المناطق وما يتبع لها من محافظات، فقد أظهرت التجربة الأولى بعض جوانب القصور التي لا بد منها في بدايات التطبيق لأي برنامج جديد أو تجربة جديدة. ومنها على سبيل المثال الضبابية لدى الناخبين والمرشحين في تفهم الدور المطلوب من عضو المجلس البلدي، حيث لوحظ على الحملات الدعائية في الصحف والمخيمات تحمل وعودا ومبالغات تتعارض مع اختصاص وصلاحيات المجلس البلدي وكأن المرشح يملك سلطة توظيف الشباب وإنشاء المطارات وسكك القطارات تلك الوعود التي يطلقها بعض المرشحين هي من اختصاص جهات أخرى! وهذا مؤشر على غياب ثقافة ووعي المرشح لمهام ومسؤوليات وصلاحيات المجلس البلدي كما حددها نظام ولائحة المجلس، كما يلاحظ أن غالبية المرشحين يحرصون على إقامة مخيم انتخابي بشكل لافت للنظر والتفنن في تقديم الوجبات ونشر سيرهم الذاتية والدعائية والمبالغة في ذلك، الكثير من المراقبين كانوا يتخوفون من أن تطغى القبلية والتعصب الأعمى وبالتالي يترشح أشخاص يفتقرون إلى التأهيل والخبرة العلمية والعملية وإلى ثقافة الحوار من أجل المشاركة في معالجة الكثير من القضايا الخدمية، إلا أنه خرجت لنا بعض نتائج التجربة الأولى في بعض المناطق عن مدى وعي المواطن ونبذه للتعصب الأعمى وحرصه على ترشيح من تنطبق عليه شروط المصلحة العامة والقادر على خدمة العملية التنموية والخدماتية التي تشهدها بلادنا، والمدركين لقيمة العمل الجماعي الذي أساسه الرغبة الجادة والإخلاص والأمانة لتعزيز ثقافة الحوار والانتماء لهذا الوطن الغالي، والمأمول إن شاء الله من عضو لمجلس البلدي المساهمة الفاعلة مع زملائه في البلديات متابعة ما يهم المواطنين في الشأن البلدي ومناقشة ومتابعة مشاريع البلدية وكذلك الرفع عن احتياجات الحي السكني أو التواصل مع مسؤولي البلديات لمعالجة بعض ما يعانيه المواطن من البيروقراطية والمركزية المفرطة ورتابة وتعقيد الإجراءات للكثير من الخدمات البلدية التي يقصدها المواطن يوميا. ولاة الأمر يحفظهم الله دائما يؤكدون على تسهيل وتيسير كافة أمور المواطنين وسرعة إنجاز معاملاتهم وتلمس احتياجاتهم وتوفير كافة الخدمات للمواطنين والمقيمين والتأكد من فعالياتها وجودتها، وبالتالي مطلوب أن يكون لهذه المجالس دور أكبر وصلاحيات فاعلة في تحقيق تطلعات الناخبين لمن يمثلونهم في المجالس. الكل يتفق على أن المجالس البلدية خطوة في الاتجاه الصحيح لتوسيع نطاق مشاركة المواطن في إدارة شؤونه وتجسيد روح الإدارة الوطنية في صنع قرارات التنمية والبناء، والانتخاب هو وسيلة لتحقيق ذلك وليس هدفا بحد ذاته، إلا أنه مطلوب خلال المرحلة المقبلة التركيز على رفع مستوى الوعي بأهداف وصلاحيات المجالس البلدية وتوضيح الدور المطلوب من عضو المجلس البلدي ومدى قدرته على القيام بما هو مطلوب منه، وفي المقابل يقع على عاتق البلديات مسؤولية توفير المعلومات والبيانات والتقارير التي يحتاج له عضو المجلس البلدي لمساعدته على أداء مهمته، بالإضافة إلى إقامة الندوات واللقاءات وورش العمل التي ترفع من مستوى ثقافة ووعي المرشح والناخب بالدور المطلوب أن يقوم به، وكذلك توضيح علاقة هذه المجالس بغيرها، مع حاجة هذه المجالس إلى المزيد من الصلاحيات ودعمها بشريا وماليا حتى تستطيع القيام بواجباتها وتحقيق تطلعات المواطنين.