أن تكون أحد الساكنين في مدينة جدة، فهذا لا يعني أنك تنعم بالسير في شوارع خالية من وايتات الصرف الصحي الصفراء الثقيلة، أو تنعم بجو نظيف نتيجة ما تخلفه من روائح كريهة، وبالتالي فإنه من المستحيل الابتعاد عنها أو الهروب منها، بعد أن تجد نفسك محاصرا بين أرتال السيارات وليس أمامك سوى الانتظار وأخذ الكثير من السموم التي تنبعث من جنباتها. واقع كهذا تفرضه مئات الوايتات، التي تجوب شوارع المدينة والأحياء، سواء كانت ممتلئة بمياه المجاري أو فارغة، في حين تزكم الأنوف، بدون رقابة أو حتى اعتراض، وهو ما جعل بعض سائقيها يتجاوزون الأنظمة المرورية من خلال 5000 وايت يجوب شوارع جدة خمس مرات يوميا أي ما يعادل 25 ألف طلعة. «عكاظ» التقت عددا من سائقي وايتات الصرف الصحي في جدة، والذين يعملون على مدار الساعة، وتجدهم في سباق متواصل لسحب أكبر قدر من مياه المجاري وزيادة عدد الردود. أيوب 39 عاما «اريتري» قال: أعمل في سحب مياه المجاري منذ العام 94م، وهذا العمل متعب لكن تعودنا عليه، حتى رائحة المجاري أصبحت أمرا عاديا لا نشعر به، فحاسة الشم لدينا ميتة! وذكر أيوب أن الناس ينظرون إلينا بنظرة غريبة وينفرون منا، ونشعر بذلك حين نقف أما أحد المنازل أو حتى السير في الشارع. وعن عدد المرات التي يسحب المجاري، أشار إلى أنها خمس مرات يوميا. أما عبده داد، أكد بأن الوايتات تتسبب في المضايقات والزحام بسبب حمولتها الثقيلة؛ لكن طالما أن هناك بيارات تطفح على مدار الساعة، فلا يمكن أن يخلوا حيا أو شارعا من الوايتات، وقال داد: زادت أعداد الوايتات بعد انتهاء مشكلة المياه التي كانت تعانيها جدة، الأمر الذي انعكس على زيادة الطلب على وايتات الصرف. وعن رحلته اليومية يضيف؛ أعمل منذ السابعة وحتى السادسة مساء أجوب شوارع جدة، وتكون حصيلة اليوم خمسة ردود، قيمة كل رد 160 ريالا حسب التسعيرة التي وضعتها الأمانة. في حين يبدو تاج الدين 32 عاما، مستعجلا في إفراغ الصهريج داخل مصب المطار القديم، وعن ما تسببه الوايتات من زحام مروري قال، هذا الأمر ليس بيدي، حيث هناك من يطلب السحب في جميع الأوقات. اسماعيل ساخون الذي يعمل منذ أربعة أعوام في سحب مياه المجاري، قال: نعمل في سحب مخلفات السكان سواء من المنازل أو المجمعات الحكومية أو التجارية، فلا أحد يستغني عنا، لأن مشكلة تصريف المجاري ما زالت قائمة ولن تتوقف إلا بتوقف طفح المجاري. أما ارمياس ارتيري 10 سنوات في قيادة وايت الصرف الصحي الذي أصبح قديما، وبدت الأوساخ تحيط به من كل جانب؛ لكنه لم يكن يبالي حسب قوله في تجديد الصهريج، حتى لا يتعطل ويتوقف عن العمل. وفي ذات الصدد أبدى عدد من سكان أحياء جدة انزعاجهم من المشكلات البيئية والمرورية الناتجة عن وايتات الصرف، حيث قال عبد العزيز العنزي، من سكان الصفا: إن جدة تشهد مراحل تطويرية ملحوظة خلال الثلاث السنوات الأخيرة، من خلال مشاريع خففت الكثير من الزحام والتلبكات المرورية التي كانت تعانيها جدة، حتى إنها أصبحت واجهة يقصدها الكثير من الزوار، غير أنه مع الأسف، مازلنا نعاني من مشكلة الصرف الصحي التي ساعدت في وجود مشكلة تشوه الوجه الحضاري لجدة، وهي انتشار الوايتات الصفراء الخاصة بالصرف الصحي، إذ بات من الملاحظ انتشارها بشكل ملفت وتسببها في زيادة احتقان الشوارع، حيث يسيرون بعشوائية دون مراعاة للأنظمة المرور. ويقول محمد النمازي من سكان حي الصفاء «6»: لا أريد أن أتحدث عن المشكلات البيئية التي تنتج عن وايتات الصرف، إذ أن مشكلاتها كثيرة ويصعب حصرها، لكننا متضررون من الروائح المنبعثة، ولكنني أريد أن أتحدث عن انتشارها صباحا ومساء بشكل عشوائي وغير حضاري، وتتسبب في الاختناقات المرورية، وحولت بعض الأحياء إلى مواقف مفتوحة، وهو ما يحدث في أحياء الصفا 1، 2، 3 ،4 ، 6 وتحديدا على شارع الأربعين من دوار النجمة إلى دوار الزهراء، وفي شارع السبعين، تجدها تقف بطوابير دون رقابة، وحتى المخططات الحديثة وجدت لها مكانا للوقوف فيها لفترات طويلة. ويرى صابر المسعري، أنه أصبح من الضروري تنظيم عملية سير الوايتات والشاحنات، فقد أصبحت أعمل لها ألف حساب أثناء خروجي إلى الدوام، إذ لا بد من مشاهدة الوايتات الصفراء في كل مكان، ولهذا أصبح من الضروري تخصيص أماكن خاصة لوايتات الصرف، وتنظيم عملية سيرها في الشوارع. ويشير مسؤول مصب المطار القديم التابع لشركة المياه الوطنية راكان أحمد، إلى أن هناك ضغطا كبيرا على الصرف الصحي، وأصبحت مصبات الإسكان والمطار القديم والخمرة تستقبل كميات كبيرة من مياه الصرف، إذ كان في وقت سابق عدد الوايتات قليلة، وفي الفترة الأخيرة زادت حتى وصلت إلى 5000 وايت تقريبا، وكان من يعمل بها من جنسية محددة، أما في الوقت الحالي فقد تعددت الجنسيات منها الصومالية والاريترية والمصرية الأثيوبية، أغلبهم يسكنون في حي كيلو 8 والبوادي شمال جدة. أستاذ البيئة في جامعة الملك عبدالعزيز، والخبير البيئي الدكتور علي عشقي، قال: التأخير في تنفيذ مشاريع الصرف في جدة، أدى إلى وجود هذه الوايتات التي تتواجد بشكل مخيف، مشيرا إلى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الانتهاء من هذه المشكلة ما لم تحسن نية وزارة المياه في سرعة تنفيذ شبكات تصريف مياه المجاري، ومن الصعب لأن هذه المشكلة ستأخذ سنوات طويلة، حتى تحل. مضيفا، أننا في كل مرة نسمع فيها عن الانتهاء من مشاريع الصرف الصحي دون أن نرى شيئا على الواقع. وذكر الدكتور عشقي، أن انتشار وايتات الصرف بهذا الشكل أمر طبيعي، فمع كل زيادة أو استهلاك في المياه، زاد عدد الوايتات التي نشاهدها في جميع الأوقات وتزاحمنا حتى في الشوارع ومداخل الأحياء. وعن الأضرار البيئية والصحية الناجمة عن هذه الشاحنات، فوصفها بأنه خطيرة، حيث أثبتت الدراسات التي أجريناها في وقت سابق، أن الفيروسات التي تحيط بتلك الوايتات هي وحدات كبيرة، اذ تختلف من منطقة لأخرى من أجزاء المدينة، فشمال جدة يختلف عن جنوبها من حيث الأضرار، وقد وصلنا إلى أرقام كبيرة بالنسبة لانتشار البكتيريا، وذلك بمعدل اتجاه الهواء وسيره. وأشار إلى أن كل أنواع الأمراض تكون موجودة في مياه الصرف الصحي، سواء كانت عن طريق الوايتات أو محطات المعالجة. ووجه الدكتور عشقي سؤالا إلى وزير المياه، ماذا فعلت وزارة المياه في معالجة شبكات الصرف الصحي؟ لأن ما نلاحظه توقف عمليات الحفر والصرف، فمن حقنا كمواطنين توضيح الأسباب، وعن دور المجلس البلدي في هذا الجانب وماذا قدم لجدة التي تعاني من هذه المشكلة؟ وبدوره أشار رئيس المجلس البلدي في محافظة جدة، المهندس حسين الزهراني، إلى أن المشكلة التي تؤرق ساكني جدة وهي الوايتات الصفراء أو ما يمكن أن نطلق عليه اسم الغول الأصفر، أضحت ضرورة لا غنى لمدينتنا عنها شئنا أم أبينا، حتى تنتهي مشاريع الصرف الصحي والمؤمل ان تنتهي خلال العامين المقبلين، لكن ذلك لا يعني التعايش مع المشكلة خاصة فيما يتعلق بالآثار البيئية والصحية، فإن ترك هذه الوايتات تقف في مواقع غير مخصصة لوقوفها وضعف الرقابة على الآثار التي تحدثها هذه الوايتات، خاصة أن عددا غير بسيط منها قديم تتسرب منه مياه الصرف وتسبب في بعض الأزقة تجمعات لمياه ملوثة، وطالب المهندس الزهراني أن على الجهات الرقابية في الأمانة أن تكون حازمة في التعامل مع الذين لا يبالون بأثر إهمالهم على البيئة المحيطة. وأضاف، ومع أن نظام المرور يمنع الشاحنات بشكل عام من السير أو الدخول في أوقات الذروة في الشوارع الرئيسة؛ لكن بعض قائدي الوايتات الصفراء يسببون إزعاجا لقائدي المركبات الصغيرة، والأمر يحتاج إلى مزيد من الضبط وتنفيذ الجزاءات على المخالفين. وقال الزهراني: لقد تطرق المجلس إلى مشكلة الوايتات وجعلها ضمن موضوع مشروع الصرف الصحي الذي طرح المجلس تفاصيله للنقاش مع الشركة المسؤولة عن مشاريع الصرف، وقد أثار المجلس مسألة الآثار البيئية والصحية. أما رئيس بلدية المطار الفرعية، المهندس أحمد عوض، فأوضح أن مشهد وايتات الصرف الصحي، وهي متوقفة داخل الأحياء وعلى الشوارع، ملاحظات يدونها الأهالي إلينا كبلدية، ونحن نضعها في دائرة الاهتمام، إذ ننقل الملاحظات إلى إدارة الناقلات في الأمانة، التي تتخذ الإجراءات النظامية ومنها سحبها وتوجيه إنذار بعدم الوقوف داخل الأحياء. ومن جهته، أوضح مدير مرور محافظة جدة، العميد محمد بن حسن القحطاني، أن المرور يعمل على منع دخول الشاحنات في أوقات الذروة، وإذا حدث تسرب لوايتات الصرف الصحي فإنه يتم تحويلها من الطرقات والشوارع الرئيسة إلى الشوارع الفرعية حتى تتمكن من تقديم خدمة سحب مياه الصرف الصحي التي تعاني منها بعض الشوارع، بسبب عدم اكتمال البنية التحتية للصرف الصحي، وأشار القحطاني إلى أن هناك حملات مستمرة على المخالفين، والتي وصل عددها خلال الشهر الماضي من الفترة 1/4/1432ه، 145875 مخالفة مرورية، ومن ضمن هذه المخالفات مخالفات دخول الشاحنات في وقت الذروة.