دعت دراسة حديثة لمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، إلى تشكيل لجنة إشرافية عليا برئاسة أمير المنطقة وعضوية عدد من الجهات ذات العلاقة؛ لتصحيح أوضاع الجالية البرماوية في مكةالمكرمة. وينبثق عن اللجنة الإشرافية أخرى تنفيذية؛ لتوفير الميزانية، وفتح 20 مركزا لتسجيل الجالية، وتعيين 250 معرفا من الجالية البرماوية، والإعلان عن المشروع بحيث يغطي أحياء محددة تدريجيا كل فترة، وإطلاق برنامج بناء الثقة وشرح الأهداف والفوائد والدور المطلوب من خلال مراكز الاتصال. وأوصت الدراسة إلى استخدام جهاز الكشف عن الكذب للتأكد من هويات البرماويين الأصليين، ورصد المتلاعبين الراغبين في الحصول على بطاقات تعريف من الجاليات الأخرى. كشفت بيانات استبيان الدراسة أن نحو 14 في المائة من أبناء الجالية البرماوية وافقوا على الرجوع إلى موطنهم الأصلى؛ شريطة توفر الحرية لممارسة شعائرهم الدينية، واستتباب الأمن والعدالة، منحهم حقوق المواطنة، استعادة الممتلكات، تأمين تكاليف السفر والمساواة، لا سيما أن أبرز الأسباب التي تمنعهم من العودة إلى بورما الظلم والاضطهاد والحرمان من الحقوق. وفيما يفضل 21 في المائة البقاء في مكةالمكرمة متمسكين بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «والله إنك لأحب البقاع إلى الله ولولا أخرجوني منك لما خرجت»، رفض 70 في المائة من أبناء الجالية البرماوية الانتقال من مكة إلى أية مدينة أخرى، وأبدى 29 في المائة موافقتهم على الانتقال عند توفر إقامة نظامية وسكن عائلي وعمل، ومن ضمن رافضي الانتقال ما يقارب 76 في المائة مستعدون للانتقال من مواقعهم الحالية إلى سكن متكامل الخدمات في مكةالمكرمة، مشترطين توفر راتب مناسب ورعاية صحية، وألا تزيد أجرة السكن على 500 ريال شهريا. أولويات معيشية وترتكز أولويات الجالية البرماوية لتصحيح أوضاعهم المعيشية على محاور عدة؛ تتضمن معالجة الوضع النظامي، تأمين الرعاية الصحية، توفير فرص العمل، وإتاحة مواصلة التعليم. ولخص معهد أبحاث الحج حلول تصحيح الوضع الراهن للجالية في مكة من خلال التعامل مع الوضع الراهن للمشكلة من خلال أبعادها النظامية، الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية، التعليمية، ومعالجة المشكلة من منابعها الأساسية عبر منع القدوم والإقامة غير الشرعية، وتوفير الفرص المناسبة لأبناء الجالية للعودة والعمل في وطنهم. ووضعت الدراسة خارطة لتصحيح المسار بمشاريع لتنفيذ الحلول، من خلال تنفيذ مشاريع لتحديد الهوية وتسجيل أفراد الجالية، وتأهيل وتدريب العمالة البرماوية للمهن المناسبة، وتحسين البيئة العمرانية والظروف المعيشية، وتحسين الظروف المناسبة للراغبين في العودة إلى بلادهم. حلول علمية البعد الاجتماعي لأوضاع الجالية البرماوية دفع الجهات الرقابية والبحثية إلى تقديم حلول علمية وعملية للمشكلات التي تواجهها الجالية من أجل تصحيح أوضاعهم، للاستفادة منهم خلال فترة إقامتهم في مكةالمكرمة، وشملت الدراسة المنهج المسحي والوصفي، حيث تمت تعبئة استمارات ل 31.904 أفراد منهم 5260 رب أسرة و26624 تابعا، وتضمنت استمارة البيانات توثيق تاريخ الجالية، والاضطهاد الديني والتهجير، ومراحل قدومها إلى مكةالمكرمة وإقامتها، ومساهمة أبنائها في سوق العمل، والتوزيع الجغرافي والتركزات السكانية في مكة، والخصائص العامة للقطاعات السكانية، والوضعين الاقتصادي والأمني. عبد الله معروف، الباحث في شأن الجالية البرماوية، ذكر أن الدراسة بينت أن الجالية البرماوية تتوزع في 38 حيا، وتقطن في 18.298 مسكنا؛ 57 في المائة منها غير صحية كونها في نطاق الأحياء العشوائية، ومتوسط عدد أفراد الأسرة من خمسة إلى عشرة أشخاص يقيمون في أقل من ثلاث غرف. وأضاف تفتقر أحياء الجالية إلى الخدمات الصحية والسلامة الأمنية والمدنية والبنية التحتية بشكل عام، كما يغلب على أبناء الجالية الالتزام بالتعاليم الإسلامية، لذا فإن 56 في المائة من منازلهم تجاور المساجد، مشيرا إلى أن المواليد الذين نشأوا في المملكة يشكلون 73 في المائة من أبناء الجالية، وهو مؤشر لارتباطهم القوي بالمملكة، فيما يشكل أرباب الأسر 20 في المائة، وتجاوزت نسبة الذين دخلوا المملكة في الفترة قبل 1380 1415ه ما يقارب 31 في المائة؛ ما يعني أن عددا كبيرا منهم قضى نحو 50 عاما في المملكة، في حين أن 49 في المائة منهم دخلوا منذ 13 عاما، حيث بدأوا في الحضور إلى المملكة من عام 1415ه حتى 1428ه. واعتبر معروف أن 57 في المائة من أبناء الجالية البرماوية يحملون إقامات نظامية ولكن بجوازات من غير بلدهم الأصلي، حيث أصدر 29 المائة جوازات سفر من باكستان، و20 في المائة من بنجلاديش، فيما لم تحدد هويات 51 في المائة، وبلغت نسبة الذين منحوا بطاقة تعريف البرماويين 35 في المائة، و67 في المائة يحملون وثيقة ميلاد تثبت تاريخ ومكان الميلاد في المملكة. وقال إن 20 في المائة من أبناء الجالية يتعالجون في الصيدليات أو بالوصفات الشعبية أو عند أطباء من نفس الجالية ولا يتعالجون في المستشفيات الحكومية والخاصة. الحد من الاستقدام من جهته، أكد رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة سعد جميل القرشي «أن حجم قوى العمل والمقومات الإيجابية للجالية البرماوية من شأنها أن تعزز الحد من استقدام العمالة الموسمية من خارج المملكة، لاسيما أن 46 في المائة من أبناء البرماويين تترواح أعمارهم من 20 إلى 60 عاما، كما أن 69 في المائة متعلمون وحاصلون على مؤهلات الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي، وأكثر من ثلث الأسر لديهم حفاظ لكتاب الله الكريم. وأضاف: بينت الدراسة التي أعدها معهد أبحاث الحج أن نسبة العاملين من أبناء الجالية البرماوية تبلغ 19 في المائة، 33 في المائة على مقاعد الدراسة، و20 في المائة يعملون في أنشطة تتعلق بالحج وأهمها الطوافة والإسكان والنظافة والنقل والتجارة، مشيرا إلى أن 69 من أبناء الجالية مستعدون للعمل في الشركات السعودية بمتوسط راتب 1200 ريال شهريا، حيث إن متوسط الإنفاق الشهري أقل من 1000 ريال لكل أسرة لانخفاض الدخل. معتبرا أن الجالية البرماوية تساهم بشكل كبير في الأعمال الموسمية في مواسم العمرة ورمضان والحج وغالبيتهم يعملون كعمال في حين يتخصص البعض منهم في حرف الموبيليا والمفروشات والديكورات والبناء والزراعة، ويجب دمجهم ليتمكنوا من المشاركة في التنمية الوطنية والعمل في خدمة الحجاج، حيث إن الدراسة أكدت على أهمية تنفيذ مشروع لتأهيل وتدريب العمالة البرماوية للمهن المناسبة، مع ضرورة التعرف إلى حجم قوة العمل والمهارات التي يجيدونها، وحصر وتحديد أعداد ونوعية العمالة التي تحتاج المملكة استقدامها خلال السنوات المقبلة، إنشاء معهد للتدريب المهني رجالي ونسائي، وإنشاء صناديق استثمارية يتم تحويلها من جانب رجال الأعمال والدولة لتصنيع منتجات استهلاكية. وبين القرشي «أن تشجيع مشاركة الجالية البرماوية في التنمية الوطنية من خلال العمل في الحج، أمر مهم من خلال إنشاء مؤسسات وشركات وطنية توفر عمالة برماوية موسمية، وإنشاء مؤسسات خدمات خاصة دائمة وموسمية ، ووضع تنظيم للمؤسسات والشركات الموسمية». تحديد الهوية تأمل الجهات التنظيمية والرقابية تنفيذ مشروع تحديد الهوية، لتنظيم الأحياء ومعرفة الحاجة إلى الإسكان البديل خلال تطوير الأحياء العشوائية في مكةالمكرمة، لتأمين السكن المناسب والتعليم والعلاج وغيرها من الخدمات المهمة. ومن دون تحديد هوية الأشخاص لن تكون هناك إحصائيات دقيقة لمواكبة المتطلبات الحياتية، وحدد الهدف التفصيلي لتحديد الهوية بضرورة إصدار بطاقات تعريف للمنتمين للجالية البرماوية، على أن يتم إصدارها على مرحلتين؛ الأولى: بطاقات مؤقتة مع أخذ بصمة اليد والقزحية، والثانية: بطاقات دائمة لخمسة أعوام تتميز بسمات أمنية غير قابلة للتزوير، للاحتراز من دخول الجاليات الأخرى في الجالية البرماوية التي تتميز بخصوصية الإقامة الدائمة مراعاة لظروف الظلم والقهر التي دفعهتم إلى الهرب بدينهم من لظى الحروب. مراكز تسجيل وتضمنت الدراسة التي أعدها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج أن تقوم مراكز التسجيل الموزعة في أحياء الجالية البرماوية باستقبال المتقدمين وإصدار بطاقات التعريف المؤقتة لهم، بعد أخذ بصمة الأصبع وقزحية العين، وتسجيل المعلومات وإدخالها مع مراعاة وجود مترجم من الجالية لتجنب الخطأ، وستتم دعوة جميع البرماويين (إقامات، أو بطاقات تعريف) لاستخراج بطاقات مؤقتة لهذه المرحلة، وستكون المرحلة الثالثة هي المرحلة النهائية لاستبدال البطاقات المؤقتة ببطاقات دائمة بعد فترة وجيزة من إصدار الأولى، ولا يشترط في إصدار الثانية انتهاء التسجيل أو مدة البطاقات المؤقتة. مكافآت مالية لا بد من إخضاع آلية المقابلة مع أبناء الجالية البرماوية للرقابة والتدقيق، حيث يجب أن تتم المقابلة من خلال فريق من المعرفين يغير أفراده في كل مقابلة، ولا تتم المقابلة إلا بوجود موظفين رسميين، وفي حال اتفاق جميع المعرفين يؤخذ برأيهم إثباتا أو رفضا، وعند الاختلاف تقام مقابلة أخرى للمتقدم مع فريق آخر من المعرفين يتم تحديدهم بطريقة عشوائية، على أن يتم الأخذ بقرار الأغلبية (4 – 6) إثباتا أو رفضا، وعند التساوي في الرأي أو ثبوت أقل من النصف (ثلاثة) أعضاء لا تمنح له البطاقة الدائمة وتسجل في بياناته أنه لم يثبت أنه برماوي، على أن تمنح البطاقة الدائمة عند اجتياز المقابلة بنجاح، وتربط بمركز المعلومات الوطني، آليات التحقق من صحة ودقة المعلومات وتقليص احتمال الفساد، تسجيل عدد كبير من المعرفين، يتيح استبدالهم باستمرار وتغيير أفراد الفريق الواحد دائما مع شريطة عدم معرفة المتقدم للصالة التي تجرى بها مقابلته، وإجراء المقابلة عبر زجاج عاكس أو دائرة مغلقة، ووضع كل معرف في حجرة منفصلة ولا يعرف قرار المعرف الآخر، ويتم ربط التسجيل المرئي بجميع المقابلات الشخصية ومقارنة نتائج المعرفين، استخدام جهاز الكشف عن الكذب لزيادة التأكد، ووضع سمات أمنية في البطاقة المؤقتة والدائمة (شريحة تعريف راديوية، باركود، ختم هولوغرافي) ووضع آلية ومكافآت للإبلاغ عن السماسرة والأعضاء الفاسدين. البيئة العمرانية المحامي والمستشار القانوني إبراهيم زمزمي قال «لا بد من تحسين البيئة العمرانية والبنية التحتية لأحياء الجالية البرماوية، وتشجيع أبنائها على الانتقال إلى مناطق صناعية، ووضع برنامج زمني لخلخلة الأحياء العشوائية، وتحسين الظروف الأمنية والعمرانية، وتطويرالأحياء، ودمج الجالية في المجتمع المكي، تنفيذ برنامج المشاركة في البناء مقابل حق الانتفاع بالسكن». وبين زمزمي أن «الباحثين شددوا على أهمية تحسين المنظر العام للحي بصورة عاجلة بأقل التكاليف، من خلال إذكاء العمل التطوعي والتفاعلي بين سكان الحي، وعمل مخطط جديد للأحياء مع تنفيذها تدريجيا يراعى عدد سكان المساكن وتخصيص ميزانية مستقلة وعوائد استثمار وبيع الأراضي والتبرعات النقدية والعينية، والإعلان لأهل الأحياء عن التصميم الجديد للحي ومراحل تنفيذه، وتخصيص مواقع في مكة لبناء عمائر سكنية بديلة للمساكن التي ستزال حسب الخطة، يكون السكن بها مجانا لمدة محدودة ثم تحول إلى عقود انتفاع أو ايجار وهذه التي بالوثائق، وتخصيص وحدات سكنية ضمن مشاريع ضواحي الإسكان». العودة الى الوطن وطالب الباحثون بتفعيل مشروع تحسين الظروف المناسبة لمن يرغب من الجالية العودة إلى بلادهم، من خلال الاستفادة من تطور العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين (فتح السفارات)، وحصول البرماويين على جواز سفر من قبل سفارة ميانمار في الرياض، وتفعيل التبادل الثقافي والعلمي والتجاري بين البلدين، وتهيئة وتشجيع الجالية البرماوية للعودة إلى بلادهم ونشر ثقافة العودة، وتوفير الحياة الآمنة، والحصول على كامل الحقوق، وتوفير الخدمات الأساسية، وإنشاء مشاريع صناعية وتجارية دولية في بورما لتشغيل العائدين، وتفعيل دور القضية لدى المنظمات الدولية لحفظ حق المواطنة للأركانيين الروهنجيين من خلال منظمة الدول الإسلامية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، ورابطة العالم الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو).