آخر مرة التقيته فيها العام الفائت.. قليلا بالرجوع إلى الوراء مسافة شهرين. تسامرنا في بهو الفندق إلى وقت متأخر في الليل، وكنا هناك في الرياض مدعوين إلى المعرض الدولي للكتاب، هكذا كنا نسميه «العمدة» ولا زلت أؤمن بلقبه وتسميته منذ وقت طويل. ومن قبل لربع قرن من الزمان كان الصحافي محمد صادق هو مسؤول الإشراف على نشر عموم مقالات النقد في الملحق الثقافي للأربعاء.. وبحسب تقديره لمقالاتي وعرفاني إليه، فقد كنا نتفاوض ونتحدث كثيرا في مسألة ما يمكن نشره وما لا يمكن وما يمكن المرور من خلاله دون المساس به إلى آخر نقطة وقف تنهي المقال. ذات مرة قال لي «لقد جادلتني، فأكثرت معي الجدال»، وكان حواري معه «لم يعد في رأسي أي شعر إضافي» مجازا هكذا تحدثت مع الراحل عطفا على كثر «الحواشي» والتصويبات التي تطال المقال. ضحك الأستاذ محمد صادق وقال لي «غدا سوف ينبت لك رقيب تلقائي»، ومن بعد ذلك بحوالي أشهر قلائل فوجئت به يتوسط لي في وظيفة معلم، بعد أن اصطحبني معه وقتئذ إلى الدكتور عبد الله الزيد، وبرغم كوني متأخرا عن السن الوظيفي، فقد سألتني اللجنة في الرياض «كيف وأين قضيت تاريخك الوظيفي بعد التخرج بحوالي أربع سنوات؟»، فأجبت لست تاجرا ولا عندي مال وقد قضيت حياتي أكتب وأسافر وأمارس النزهة كثيرا وأعمل في حقل الكتابة وصياغة التحقيقات وفي الليل أسهر بكامل لياقتي الحسية وأمارس التأمل والبحث عن الأفكار.. وهكذا فجأة وجدت نفسي معلما لمادة اللغة الإنجليزية داخل إحدى المدارس المتوسطة وتوقفت عن الذهاب إلى جريدة المدينة لبضعة أيام.. اعتقدت أن الأستاذ محمد صادق لا يريدني العمل معه، وعلى عكس أفكاري السطحية وعمله الطيب معي، عرفت لاحقا أنه سعى هكذا ولوحده في تأمين وظيفة عامة وقال لي «الوظيفة العامة للمواطن أمان من الفقر»، وهكذا مضينا نعمل سويا مرة أخرى، وقال لي العمدة لا تخف، لا تقلق ولا تحزن على شيء، لأنه ربما يأتي صحافي لا يحتمل الجدال معك، وبالتالي لن تجد في جيبك ريالا واحدا.. لقد أعطاني نصيحة مجانية وقال لي إنها نصيحة مجانية، فخذها مجانا قبل فوات الأوان. الآن مات العمدة، رحمه الله وأحسن عزاء ذويه وتلامذته وأحسن الله عزاءنا جميعا فيه.. وللواقع أحسب نفسي مدينا له ولآخرين. أسأل الله له مغفرة ورحمة، وها نحن جميعا في انتظار جثمانه قدوما من لندن للصلاة عليه «هنا» في مسقط رأسه، ومسقط رؤوس الكثير ممن سوف يوارونه التراب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة