الفيفا ينشر «البوستر» الرسمي لبطولة كأس العالم للأندية 2025    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    مدرب البحرين: أعد بالتأهل لكأس العالم 2026    "الديار العربية" و"NHC" توقّعان اتفاقية تطوير مشروع "صهيل 2" بالرياض    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    جامعة أم القرى تحصد جائزة أفضل تجربة تعليمية على مستوى المملكة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية فرنسا    الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    صحيفة إسبانية.. هذا ما يمنع ريال مدريد عن ضم لابورت    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    عاد هيرفي رينارد    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    مقياس سميث للحسد    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من راعٍ للأغنام إلى رئيس بلدية..
محمد سعيد طاهر ل( الندورة ): عملت بائعاً في دكان لأدوات السيارات لازمت دروس سماحة مفتي الديار السعودية وحلقات العلم في المسجد الحرام
نشر في الندوة يوم 08 - 05 - 2008

ضيف محطات لهذا الأسبوع شخصية مكية معروفة ارتبط اسمها باسم (أمانة العاصمة المقدسة) على مدى (38) عاماً متواصلة من العمل فيها فهو رجل عصامي مكافح مجتهد بدأ حياته العملية الأولى راعياً للأغنام في قريته الصغيرة ببلاد غامد بمنطقة الباحة ثم رحل إلى المدينة وتحديداً إلى مكة المكرمة وعمل في محل لبيع أدوات السيارات وفي وقت فراغه كان مواظباً على حضور حلقات العلم في المسجد الحرام ثم ما لبث أن التحق بإحدى الوظائف الحكومية بأمانة العاصمة المقدسة وعلى الرغم من انه لم يحصل على شهادات علمية عالية إلا أنه بجده واجتهاده وإخلاصه وتفانيه في العمل حظي بثقة المسؤولين الذين تعاقبوا على أمانة العاصمة المقدسة على مدى (38) عاماً واسندوا إليه العديد من المناصب القيادية في الأمانة حتى وصل إلى منصب رئيس بلدية فرعية إنه الأستاذ محمد سعيد طاهر فاسم (طاهر) هذا هو اسم الشهرة الذي لازمه مبكراً وعرف به أما اسمه الحقيقي فهو (محمد بن سعيد بن عبدالخالق الغامدي) أبوفيصل، عرف باستقامته وبنظافة اليد واللسان ودماثة الخلق والحزم في العمل فلا غرابة في ذلك فهو من أسرة متفقهة في الدين فوالده كان إماماً بقريته الصغيرة (ببلاد زهران) استلم هذا العمل بعد وفاة والده (جد الضيف) وتعلم حفظ القرآن الكريم والعلوم الدينية في حلقة (الكتاب) على يد والده في مسجد القرية. ثم ذهب إلى الرياض مع شقيقه جمعان رحمه الله حيث لازما حلقات العلم صباحاً ومساء لدى سماحة مفتي عام المملكة السابق الشيخ محمد إبراهيم آل الشيخ وحلقات العلم التي يقيمها الشيخ عمر بن حسن رحمه الله لدراسة العقيدة الإسلامية والفقه والتفسير. وعندما ذهب إلى مكة المكرمة التحق بمدرسة النجاح الليلية ثم واصل حضور حلقات العلم التي تقام في الحرم المكي الشريف بعد ذلك استطاع أن يثقف نفسه بنفسه عن طريق القراءة والاطلاع في مختلف الكتب والمصادر النافعة.
(الندوة نهاية الأسبوع) رصدت محطات (أبوفيصل) حيث وقفنا على حياته الاجتماعية والعملية.. فإلى نص الحوار:
المولد والنشأة
|| ماذا عن تاريخ مولدك ومكانه؟
|| كما هو معلوم إن بداية الإنسان الأولى مولده الذي يستقبل به الحياة ليبدأ مسيرة العمر ومشوار الأيام والسنين والتي تمضي سريعة والعاقل من يضع في اعتباره دائماً أن الدنيا كما ورد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر” وأن يتزود الإنسان المسلم منها بما ينفعه كما قال عز وجل في محكم كتابه الكريم (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وأن يسعى المرء دائماً لترك الذكرى العطرة والعمل الجميل الطيب وكما قال الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فاعمل لنفسك ما يخلد ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثان
|||
ولذا فمشوار الحياة يبدأ من مكان الميلاد الذي يكون عادة بقعة من أرض الوطن عزيزة على النفس هي بمثابة الوطن الصغير حيث مرتع الطفولة وذكريات الصبا ومهما باعدت الأيام بين الإنسان وموطن مولده فإن النفس إليه تهفو والفؤاد يتوق إليه أما بالنسبة لي والإجابة على سؤالك يا أخي الكريم فمولدي في وطني الصغير منطقة الباحة وتحديداً قرية (آل عيسى) من قرية الحبشي من قبيلة بني خيثم إحدى قبائل غامد السراة وقد ولدت في هذه القرية خلال شهر رجب الفرد من عام 1351ه الموافق عام 1932. وقد سميت هذه القرية بقرية (آل عيسى) لجد آل الفقهاء الشيخ عيسى بن أحمد رحمه الله أول من نزل بها وهو عالم جليل معظم ذريته من المتفقهين في الدين فمنهم العلماء والدعاة وأئمة المساجد لقرى وهجر المنطقة واقصد بذلك منطقة (الباحة) ومنهم والدي رحمه الله الذي كان إمام مسجد بقرية الصغرة في بلاد زهران وبعد وفاة والده الذي هو جدي رحمه الله انتقل إلى قرية الحبشي بالباحة إماماً لمسجدها الجامع الذي يقع بقريتنا قرية آل عيسى والتي تقع شرقي رهوة البر وعلى مسافة تقدر بكيلو متراً وعلى مسافة خمسة كيلو متر من مدينة الباحة وهي تقع على ربوة بين جبلين أحدهما يسمى الجبل الشرقي والآخر الجبل البحري وقد ذكر الأستاذ المؤرخ علي بن صالح السلوك هذه القرية في كتابه (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية) الجزء الثاني بلاد غامد وزهران حيث قال إنها منطقة منبسطة تقع بين قرية الرهوة من الجنوب وبين الأئمة وبني سار من الشمال وقرى البلعلا من الشرق وبين الشعب الغربي للجادية قرب ظبى من الغرب وهي من الحدود الفاصلة بين بلاد غامد وبلاد زهران حيث أنها تقع جنوب بلاد زهران وشمال بلاد غامد. وفي ظل العهد السعودي الزاهر ومنذ بداية توحيد هذه البلاد على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله شهدت منطقة الباحة وقراها وهجرها نهضة تطويرية شاملة مثلها مثل جميع مناطق المملكة. وقد شملت الخطط التطويرية منطقة (رهوة البر) حيث سادها الاستقرار والتطور السريع على أعلى المستويات. ومن هذا التطور ربطها مع المناطق المجاورة بشبكات الطرق الحديثة ومنها يمر طريق الطائف، الباحة، بلجرشي، أبها وأصبحت مدينة ترتفع فيها العمائر الحديثة الشاهقة وتنتشر فيها المحلات التجارية والمؤسسات الأهلية والقطاعات الحكومية المختلفة لتؤكد أن رهوة البر أصبحت مركزاً لحركة تجارية زاهرة. وقد انشيء فيها مستشفى الملك فهد التخصصي على الجبل الذي يعلو هذه المدينة من الناحية الغربية وهو مستشفى كبير أمر بإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ويؤدي الآن خدمات طبية على أعلى المستويات للمواطنين بمنطقة الباحة، كما بذلت حكومتنا الرشيدة أعزها الله جهوداً كبيرة ومشكورة لإنشاء الطرق والكباري والأنفاق التي تخترق جبال السروات ومنحت المواطنين قطع من الأراضي لإقامة مساكن لهم ومنحهم القروض من صندوق التنمية العقارية وقد أدى كل هذا إلى انتشار العمران في كل قرية ومدينة في بلاد غامد وزهران.
ذكريات لا تنسى
| وما هي الذكريات التي تحملها عن هذه القرية التي ولدت وترعرعت بها؟
|| نعم لقد كان مشوار حياتي الأول في هذه القرية التي ترعرعت فيها وخطت قدماي خطاها الأولى فوق أرضها وفي جبالها ووديانها وسهولها وربواتها وشهدت مرتع طفولتي وكأي طفل من جيلي رعيت البهم (صغار الغنم) ثم الغنم في جبال ووديان وشعاب القرية كما مارست الهوايات والألعاب البريئة والألعاب المنتشرة في ذلك الزمن الجميل ببراءته وببساطته مع أبناء جيلي من أطفال وفتيات القرية ثم بدأت رحلة التعليم التي بدأت بالتحاقي (بالكتاب) في مسجد القرية حيث كان والدي رحمه الله يعلمنا الحروف الهجائية والقرآن الكريم. ولن أثقل عليك ولا على القارىء الكريم بسرد كافة تفاصيل ذكرياتي في هذه القرية فشريط الذكريات حافل بالكثير من الأحداث التي يشعر الإنسان منا عند استرجاعها بالسعادة الطاغية فالذكريات هي عمر الإنسان وحياته. وكما قال الشاعر العربي:
كم منزل في الأرض يألفة الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل
مغادرة القرية
| متى غادرت قريتك وأين كان اتجاهك وكيف كانت رحلة المغدرة؟
|| في عام 1358ه عزم أخي الشيخ جمعان بن سعيد رحمه الله على أداء فريضة الحج واصطحبني معه بناء على طلبي وكانت رحلتي الأولى التي قصدت فيها وجه الله تعالى في أداء فريضة الحج وكانت وسيلة المواصلات آنذاك من الباحة إلى الطائف هي الجمال فسافرنا أنا وأخي جمعان مع (الجمالة) وكان أخي مريضاً بمرض عضال في رجله لذلك ركب على جمل أما أنا فكانت رحلتي سيراً على الأقدام لمدة ثلاثة أيام نالني فيها الكثير من العناء والتعب وعناء السفر لأن السفر في السابق معاناة حقيقية وبعد الانتهاء من أداء مناسك الحج عدنا إلى قريتنا بمنطقة الباحة بنفس وسيلة سفرنا ولم أسع وقتها للحصول على عمل أو الالتحاق بالدراسة في أحد الكتاتيب نظراً لصغر سني من جهة ولإصرار أخي جمعان رحمه الله على عودتي معه. وكان حلم الدراسة يراودني ولا يذهب من مخيلتي ولكن تحقيق ذلك الحلم كان صعباً للغاية فالأمر يستلزم السفر إلى مدينة مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو الرياض للالتحاق بمدارسها لعدم توفر مدارس في منطقة الباحة آنذاك.
طفرة كبيرة
وفي عام 1367ه حدث حدثاً جديداً في منطقتنا وهو ما اعتبرناه آنذاك طفرة تطويرية كبيرة لا مثيل لها وغمرتنا فرحة كبيرة لا حدود لها وهو إنشاء طريق ترابي للسيارات من مدينة الطائف إلى وادي بيدة (بطحان) والذي يبعد عن الباحة حوالي 31كلم وعن قريتنا بحوالي 25كلم حيث بدأت السيارات في استخدامه بأعداد قليلة وهي من موديلات عتيقة حيث كانت هذه السيارات تصل إلى وادي بيدة تستقبل المسافرين لتنقلهم إلى مدينة الطائف ثم مكة المكرمة ومدن المنطقة الغربية.
رحلة العذاب
وبعد أن تم افتتاح هذا الطريق الترابي الذي اعتبرناه طفرة تطويرية كبيرة لا مثيل لها نحن سكان منطقة الباحة وقراها قررت السفر مع أخي عبدان بن سعيد إلى مكة المكرمة حيث استخدمنا في ركوبنا إحدى السيارات الكبيرة والتي كانت تعرف ب(اللوري) حيث ركبنا من منطقة وادي بيدة حيث تم تحميل السيارة بالركاب وأمتعتهم وكانت الحملة أكثر من الطاقة الاستيعابية لهذه السيارة وقبل بدء الرحلة تم وضع الأجرة مقدماً إلى مالك السيارة. وقد بدأت الرحلة من و ادي بيدة في الصباح الباكر وكنا نتوقف بين حين وآخر لإعادة تعبئة لديتر السيارة بالماء ووضع قطعة من الخيش جمع خيشة مبللة بالماء على طلمبة الماء الخاصة بالسيارة والتي كانت غير صالحة. وعندما انتصف النهار واشتدت حرارة الشمس توقفت السيارة عن السير تماماً رغم أن ماكينتها كانت تعمل وكان ذلك بسبب تحميل السيارة بأكثر من طاقتها المحددة وللخلل الموجود في طلمبة الماء وقد قمنا بالنزول من السيارة بناء على طلب السائق لتخفيف حمولتها والقيام بدفعها لكي تسير. وفي ظل وجود الحر الشديد وعدم وجود ماء للشرب ساد الجميع الخوف من تعرض الركاب لخطر الموت عطشاً خاصة وانهم يجهدون أنفسهم سيراً على الأقدام تارة ويدفعون السيارة تارة أخرى وهي محملة بالكثير من الأمتعة والنساء والأطفال. وقد رفضت طلب أخي عبدان في البقاء داخل السيارة وفضلت النزول منها لأكون معه خارجها لأشاركه الاجهاد والتعب والحر. وقد استمر سيرنا خلف السيارة حتى وصلنا إلى منطقة تعرف باسم (سديرة) وهي منطقة تكسوها الخضرة ويتوفر فيها الماء بكثرة فاستراح الركاب وارتووا من الماء وتوضأوا وأدوا صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً بعدها قام السائق بإصلاح السيارة من عطل الطلمبة ثم واصلنا سيرنا لنصل إلى مدينة الطائف بعد صلاة المغرب. وكانت هذه الرحلة رحلة معاناة استغرقت النهار بأكمله وتعرضنا فيها لخطر الموت اجهاداً أو عطشاً ولكن الله لطف بنا وسلمنا من تلك المخاطر. فأين هذا مما نحن فيه الآن؟ فالبون شاسع والفرق كبير فقد أصبح السفر وطي المسافات الطويلة من أسهل الأعمال بل أصبح السفر من هذا العصر متعة للمسافر فقد قامت حكومتنا الرشيدة أعزها الله بربط مناطق المملكة بشبكة من الطرق والأنفاق التي تخترق الجبال الشاهقة طولاً وعرضاً علاوة على الطرق السريعة وأمنت على امتداد تلك الطرق كافة المستلزمات التي يحتاجها المسافر إضافة إلى توفير وسائل الأمن والأمان مثل دوريات أمن الطرق ومراكز الإسعاف وهواتف الطاريء وغيرها من الخدمات.
الدراسة وحلقات العلم
| وهل استطعت تحقيق حلمك في مواصلة دراستك في المدارس النظامية؟
|| نعم عندما انتهت مرحلة الطفولة وتركت القرية وذهبت إلى مدينة مكة المكرمة ثم إلى مدينة الرياض لازمت أنا وشقيقي الشيخ جمعان بن سعيد رحمه الله حلقات العلم صباحاً ومساء فكنا نحضر لدى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ونستمع إلى كل ما يقرأ على سماحته كما كنا نحضر جلسات العلم للشيخ عمر بن حسن رحمه الله لدراسة العقيدة والفقة والتفسير وأصول الدين الإسلامي الحنيف وكانت حكومتنا الرشيدة أعزها الله وما زالت تشجع الإقبال على تلك الدراسات.
العودة إلى مكةوبعد عام عدت إلى مدينة مكة المكرمة من الرياض لظروف عائلية وعملت في محل لبيع أدوات السيارات في حي القشاشية القريب من المسجد الحرام لصاحبه سعيد العلوي ثم التحقت بكتاب الشيخ أحمد عجيمي المجاورة للدكان للدراسة في وقت الفراغ من العمل في المحل ونصحني الشيخ الجليل العجيمي رحمه الله بالالتحاق بمدرسة النجاح الليلية والذي كان هو من ضمن معلميها وبالفعل التحقت بتلك المدرسة بالسنة الثانية وكان مديرها الشيخ عبدالله خوجة رحمه الله وهؤلاء وغيرهم من المعلمين والمشايخ كان لهم فضل كبير علي في حياتي في التوجيه والنصح والتعليم وإنني لأذكرهم بالعرفان والتقدير تفادياً للعقوق ووفاء لهم ولجميل صنعهم حيث استفدت من تجاربهم الكثيرة فجزاهم الله عني خير الجزاء.
ومن ذكريات الدراسة أيضاً إنني كنت أدرس في وقت الفراغ لدى الشيخ إبراهيم خلوصي وكان متخصصاً في الخط والحساب التجاري ويدرس في مدرسة خاصة في باب الزيادة بزاوية السمان وقد ألف الشيخ الخلوصي كتاباً أسماه (تحفة الناظر للصيرفي والتاجر) وهو خاص بالحساب التجاري ومشتقاته ويستفيذ منه الطالب في تعلم الخط وقواعد أصول الحساب التجاري والكسور وغيرها وقد كتب في أول صفحة من هذا الكتاب أبيات شعرية تقول:
إن علم الحساب علم رفيع
فيه خير إذ تشتري وتبيع
لم يضع قط درهم بحساب
والعرف بلا حساب تضيع
إلى جانب ذلك داومت على حضور جلسات الدروس التي يلقيها المشايخ في المسجد الحرام ومنهم الشيخ صالح العشماوي والذي كان يلقي دروسه في الحصوة الموالية لباب الزيادة والمعروف باسم صالح الفلسطيني. وهكذا كان الحال كنا نعاني من صعوبات كثيرة في سبيل طلب العلم علاوة على ذلك إن الحالة المالية في ذلك الزمن لم تكن ميسورة كما هي الآن حتى بدأت النهضة التنموية التطويرية الشاملة للمملكة والتي نعيشها الآن والتي تخط بأحرف من نور فقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله هو رائد التعليم الأول في هذه البلاد والمعلم الأول الذي وضع أساساً صلباً للنهضة التعليمية في بلادنا وذلك عندما كان أول وزير للمعارف فليرحمه الله ويجزيه خير الجزاء على هذا العمل الصالح.
الحياة الوظيفية
| ماذا عن حياتك الوظيفية وما هي الوظائف والمناصب القيادية التي تدرجت بها وتسلمتها؟
|| كانت بداية حياتي الوظيفية التحاقي بالعمل موظفاً بأمانة العاصمة بتاريخ 24/6/1373ه وكان مقرها بشارع الغزة أمام شارع الأمير عبدالله الفيصل ويعرف هذا المقر آنذاك بقصر الأسمنت لأن كل المبنى كان من الأسمنت الخالص وكان يرأس الأمانة في ذلك الوقت الأستاذ رشدي العظمة وكان مسمى منصبه (أمين العاصمة بالنيابة) ويساعده الأستاذ نوري عباس عليهما رحمة الله. ولما كان الإنسان بطبعه طموحاً يسعى دائماً للتقدم إلى الأمام تأكيداً لقدراته وامكانياته وتحقيقاً لذاته فقد كنت دائماً ومنذ التحاقي بالعمل الوظيفي طموحاً للرقي في السلك الوظيفي معتمداً في ذلك على الله عز وجل أولاً وعلى الجد والاجتهاد والإخلاص في العمل ثانياً. وقد سنحت لي الفرصة عندما شغرت خمس وظائف بالمرتبة السابعة بأمانة العاصمة وقد تم الإعلان عنها في الصحف المحلية تنفيذاً للمادة السابعة من نظام الموظفين العام وقد تقدم لهذه الوظيفة أحد عشر متسابقاً تم اختيارهم بتاريخ 24/3/1381ه بحضور مندوب ديوان الخدمة المدنية (ديوان الموظفين آنذاك) وكنت أحد الخمس الأوائل الناجحين في هذه المسابقة الوظيفية وعلى إثر ذلك صدر قرار أمين العاصمة رقم 105 وتاريخ 24/3/1381ه بترفيعي إلى المرتبة السابعة.
مناصب قيادية
أما المناصب القيادية فقد اسندت لي أعمال الإشراف على أعمال النظافة العامة بصفة مؤقتة بالإضافة إلى عملي الأساسي كمدير لإدارة المراقبة خلال الفترة من عام 1391ه حتى عام 1394ه وأعود بالذاكرة إلى تلك الفترة فاتعجب من ضخامة الجهود التي كانت تبذل في مجال واحد وهو مجال النظافة العامة وخاصة في شهري رمضان المبارك وموسم الحج ولم تكن الامكانات متوفرة مثل ما هو متوفر اليوم وكنا نستعين بالعمالة الموسمية ونبذل جهوداً مضاعفة لإنجاز المهمات المطلوبة وكنا ولله الحمد موضع شكر وتقدير من أولي الأمر وفي هذا المجال دعوة للشباب السعودي ليخلص في عمله ابتغاء مرضاة الله عز وجل وأن يقدم بلا تردد نحو العمل في سبيل خدمة الوطن الغالي.
رئيس قسم مراقبة الأسواق
وعندما قسمت إدارة المرافق بأمانة العاصمة إلى إدارتين منفصلتين الأولى بمسمى إدارة النظافة والثانية بمسمى إدارة مراقبة الأسواق المركزية حيث تضم مسؤولياتها العمائر والأسواق والإنارة وقد كلفت برئاسة هذه الإدارة بمسمى (رئيس قسم مراجعة الأسواق المركزية) وقد تضاعفت الأعباء وتزايد الجهد المطلوب بذله لإنجاز العمل وفي ذات الوقت تزايدت أحاسيس الرضا والسعادة لأنه جهد يبذل لخدمة مكة المكرمة مدينة المسلمين المقدسة. وبحكم عملي رئساً لهذا القسم كلفت بعضوية عدة لجان رئيسية تشارك أمانة العاصمة في تحمل بعض المسؤوليات وهي إدارة المرور وفرع وزارة التجارة وإدارة الدفاع المدني ورئاسة شؤون الحرمين الشريفين ولجنة الغش التجاري وكانت كل لجنة تشارك في الأعمال المرتبطة بها فمثلاً لجنة الغش التجاري الذي نهى عنه الإسلام والذي استجد كظاهرة في مجتمعنا السعودي نتيجة لكثرة الوافدين من العمالة إلى المملكة وسعيهم إلى تحقيق أرباح سريعة لجأ بعضهم لأساليب الغش حتى يحققوا أرباحاً ضخمة دونما خشية من الله أو وازع من ضمير متناسين الحديث الشريف القائل (من غشنا ليس منا) وقد استمررت في عضوية اللجنة من عام 1397ه حتى عام 1404ه.
عضو لجنة توزيع الأراضي
وفي عام 1399ه صدر الأمر السامي الكريم لصاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة برقم 9038 وتاريخ 1/11/1399ه بتكليفي بالاشتراك في لجنة توزيع أراضي المباسط في موسم الحج وقد انبثق عن تلك اللجنة عدة لجان فرعية وهي لجنة توزيع أراضي المطوفين ولجنة الحجاج غير حجاج المطوفين (حجاج الداخل) ولجنة الدوائر الحكومية وبعثات الحج ولجنة المباسط ببلدية منى الفرعية وقد استمر عملي في عضوية تلك اللجنة حتى عام 1402ه.
رئيس بلدية المعابدة
وفي عام 1404ه صدر قرار معالي أمين العاصمة المقدسة الأستاذ فؤاد بن محمد عمر توفيق برقم 757 وتاريخ 20/5/1404ه القاضي بتكليفي بالعمل رئيساً لبلدية المنطقة الخامسة (بلدية المعابدة الفرعية) وإنهاء عملي كمدير لإدارة مراقبة الأسواق المركزية.
صفحة جديدة قبيل التقاعد
وقد جاء نقلي للعمل رئيساً لبلدية المعابدة الفرعية صفحة جديدة في حياتي الوظيفية وتتويجاً للأعمال القيادية التي عملت بها في الأمانة منذ التحاقي بها وكان هذا المنصب القيادي في أمانة العاصمة المقدسة هو بمثابة المرحلة الأخيرة من مراحل عملي في الأمانة الذي استمر أكثر من (38) عاماً حيث حان موعد احالتي للتقاعد الوظيفي نظراً لبلوغي السن النظامية للتقاعد (60 عاماً) ولذلك صدر قرار التقاعد يحمل الرقم 4567 وتاريخ 19/12/1410ه والقاضي بإحالتي للتقاعد لبلوغي السن النظامية للتقاعد وذلك اعتباراً من 1/7/1411ه وهكذا أنهيت (38) عاماً من عمري الوظيفي قضيتها في خدمة هذه المدينة المقدسة مكة المكرمة من خلال العمل الوظيفي في أمانتها (أمانة العاصمة المقدسة) .
وخلاصة ما أريد أن يعيه أبناء هذا الوطن وخاصة من جيل الشباب المقدمين على الأعمال الوظيفية إنه يجب أن يرسخ في أذهانهم ووجدانهم كحقيقة مؤكدة جاءت في كتاب الله الكريم في قوله تعالى (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً) ولذا فعلى الموظف والعامل أياً كان أن يزرع الإخلاص والوفاء والخير لينال رضا الله في حياته وحب الناس له ويذكرونه بكل خير وقبل ذلك كله ينال إن شاء الله الأجر والمثوبة من الله عز وجل.
وإنني اليوم استرجع ذكريات تلك السنوات الطويلة التي عشتها في العمل الوظيفي بأمانة العاصمة المقدسة (38) عاماً مضت بحلوها ومرها فاتذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها” صدقت يا رسول الله.
كما وقفت أمام لحظة إحالتي للتقاعد الوظيفي بعد مشوار طويل من العطاء والإخلاص خلال حياتي الوظيفية وهي لحظة على النفس قاسية خاصة في ظل القدرة على استمرار العطاء لكنها سنة الحياة وناموس البشر. أقف أمام تلك اللحظة وكل مشاعري وأحاسيسي تردد من الأعماق قول الشاعر:
ولم أر مثل دائرة المنى
توسعها الآمال والعمر ضيق
|||
وكان عزائي في تلك اللحظة أن راية العطاء والعمل تظل دائماً مرفوعة عالية تتبادلها بقوة سواعد أبناء هذا الوطن الحبيب المعطاء. كما وجدت عزائي أيضاً في مشاعر التقدير والحب الصادق التي نطقت بها عيون الزملاء والأبناء في العمل الوظيفي بأمانة العاصمة المقدسة المواطنين الشرفاء الكرماء من سكان حي المعابدة وغيرهم من سكان مكة المكرمة عامة. لقد محت تلك الأحاسيس والمشاعر الفياضة عبرات ترقرقت في المآقي وأحاطت بي عواطف الأحباب من كل جانب فكانت لي خير عزاء وأكدت صدق ورسوخ قيم وتقاليد مجتمعنا السعودي المسلم الحبيب. حيث صمم الرؤساء والزملاء والمواطنون الأحباب على تكريمي قبل ترك العمل الوظيفي وتوالت الحفلات وكانت البداية الحفل الذي أقامه أهالي حي المعابدة باعتبار أن آخر عملي لي في الأمانة هو رئيساً لبلدية المعابدة الفرعية فأقاموا حفل تكريم لي بقصر أفراح وادي جليل بتاريخ 5/4/1411ه وكانت الدعوة عامة للجميع فقد تأكد لي حب الجميع ووفائهم حيث حضر الحفل الكثير من أهالي المعابدة ومنسوبي أمانة العاصمة المقدسة وقد توالى الحفل وفقراته التي اشتملت على كلمات وفاء وأهازيج شعرية تعبر عن صدق المشاعر وقدمت لي العديد من الهدايا.
كما أقامت بلدية المعابدة حفلاً تكريمياً بهذه المناسبة مساء يوم 20/4/1411ه. كما أمر وكيل أمين العاصمة المقدسة للشؤون البلدية سابقاً الأستاذ عبدالحميد محمد أمين كاتب على إقامة حفل خاص لتكريمي وقد تم ذلك فهو صديق عزيز وزميل رحلة عمل وكفاح في أمانة العاصمة المقدسة. وقد أصدرت كتاباً بعد إحالتي للتقاعد سميته (ذكريات 38 عاماً في أمانة العاصمة المقدسة) وصدرت فيه ذكريات حياتي الاجتماعية والوظيفية.
أمناء عاصرتهم
| وعن عدد الأمناء الذين عاصرهم في أمانة العاصمة المقدسة خلال فترة عمله التي استمرت (38) عاماً؟ قال الشيخ محمد سعيد: عاصرت (9) أمناء هم كما يلي: الشيخ رشدي جميل العظمة الذي شغل منصب أمين العاصمة المقدسة من عام 1373ه 1374ه، الشيخ عبدالله بن ختلان شغل منصب أمين العاصمة المقدسة من عام 1374ه حتى عام 1379ه، والأستاذ عبدالله محمد علي عريف شغل منصب أمين العاصمة المقدسة من عام 1379ه حتى عام 1397ه، والمهندس عبدالقادر حمزه كوشك شغل منصب أمين العاصمة المقدسة من عام 1397ه حتى عام 1402ه، والأستاذ عبدالله زيني بن صديق شغل منصب أمين العاصمة المقدسة بالنيابة من عام 1402ه حتى عام 1403ه، والأستاذ فؤاد محمد عمر توفيق شغل منصب أمين العاصمة المقدسة من عام 1403ه حتى عام 1409ه، والأستاذ يحيى أمين كردي شغل منصب أمين العاصمة المقدسة بالنيابة من عام 1409ه حتى 1409ه، والمهندس عمر عبدالله قاضي شغل منصب أمين العاصمة المقدسة حتى تاريخ إحالتي للتقاعد عام 1411ه واستمر بعد ذلك سنوات طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.