على الرغم من المخاض العسير الذي واكب موافقة مجلس الشورى على نظام الرهن العقاري لحل أزمة الإسكان في المملكة، إلا أن المخاوف من صعوبات التطبيق طغت على السطح مبكرا للغاية، حتى قبل أن يحظى النظام بموافقة مجلس الوزراء وقبل أن تصدر اللائحة التنفيذية للنظام معلنة دخوله في مجال التطبيق الفعلي، وهو الأمر الذى من المتوقع أن يستغرق أكثر من ثمانية أشهر. وفي حين يعتقد بعض الخبراء أن نجاح تطبيق منظومة الرهن العقاري مرهون بالحد من تضخم أسعار العقارات وألاعيب المضاربين، الأمر الذي يرفع الكلفة على الراغبين في الرهن من أجل الحصول على مسكن مناسب، فإنه في المقابل يرى آخرون أن الرهن العقاري يعزز من فرص تمليك المسكن المناسب بأسعار جيدة، في ظل دخول مطورين ومستثمرين عقاريين جدد مع الضمانات التي يوفرها لهم النظام الجديد، وأبرزها الاحتفاظ بملكية العقار حتى سداد الرهن بالكامل. وفي المنطقة الرمادية يقف بعض الخبراء، مطالبين بالتريث ودراسة التجارب الناجحة قبل التطبيق مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات المتزايدة للمساكن في المملكة، التي تشهد واحدا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى 275 ألف وحدة سكنية جديدة سنويا. وفي هذا الإطار، تشير إحصاءات بنكية إلى أن 30 في المائة فقط من السعوديين يمتلكون مساكن، فيما النسبة الباقية البالغة 70 في المائة تعتمد على الإيجار الذي شهد ارتفاعات في السنوات الماضية بنسبة 50 في المائة. ويتراوح سعر إيجار الغرفتين بين 12 إلى 14 ألف ريال، والثلاث بين 16 إلى 18 ألف والأربع غرف بين 20 إلى 22 ألف ريال. وفي ظل الارتفاعات الكبيرة في الإيجارات تفاقمت من جهة أخرى الخلافات بين الملاك والمستأجرين، وامتدت إلى دهاليز المحاكم وذلك نتيجة عدم قدرة البعض على الدفع في المواعيد المحددة. وأدى إحجام البنوك بشكل ملحوظ عن التمويل العقارى في فترة سابقة إلى اعتماد المواطنين بشكل أساسي على الصندوق العقاري بقرضه المحدود، الذى لم يكن يتجاوز 300 ألف ريال حتى أسابيع قليلة إلى الوراء. وعلى الرغم من الشروط المجحفة لها في بعض الأحيان إلا أن البعض لم يجدوا أمامهم سوى الرضوخ لطلبات البنوك من أجل الحصول على التمويل المناسب. ويحاول النظام الجديد ضمان علاقة متوازنة بين أطراف العملية التمويلية، حيث نصت المادة الثانية من النظام المقترح أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون وأهلا للتصرف فيه. ويشترط النظام أيضا في مقابل الرهن أن يكون دينا ثابتا في الذمة، أو عينا من الأعيان المضمونة على المدين، على أن يتحدد في عقد الرهن مقدار الدين المضمون أو الحد الأقصى الذى ينتهى إليه، وفضلا عن ذلك ألزم النظام الراهن بضمان سلامة العقار حتى تاريخ وفاء الدين، وإذا حل أجل الدين وجب أداؤه، وإن لم يؤده بيع الرهن بطلب المرتهن. كما أعطى النظام للدائن الحق في أن يتخذ إجراءات النزع الجبري لملكية العقار المرهون وبيعه إذا لم يقم المدين بالوفاء في الأجل المعين، وفقا لنظام التنفيذ. والرهن لا يبطل بموت الراهن أو المرتهن أو بفقدان الأهلية، فإن مات أي منهما حل وارثه محله، وإن فقد أهليته ناب عنه وليه. خطر المضاربات يقول المدير العام والشريك التنفيذي في شركة بصمة لإدارة العقارات خالد شاكر المبيض إن نظام الرهن العقاري المقترح يهدف إلى حماية حقوق جميع أطراف العملية التمويلية الثلاثة، وهم: مالك العقار، الممول، والممول له، وفق عقد واضح يضمن دقة التعامل، كما يتيح للممول بيع محفظة التمويل والتي تسمى تسنيد ما يتيح الفرصة للحصول على رأس مال إضافي لعملية تمويل جديدة، وبالتالي دخول سيولة أكبر تضمن انتعاش أفضل للسوق العقاري. وطالب بتشديد الرقابة والضوابط لمنع المضاربات والارتفاع الوهمي للأسعار الذي يجيده المضاربون، وذلك ما قد يضرب هذا النظام من البداية. وقال الرهن العقاري عملية تنظيمية تمويلية الهدف منها توفير السيولة لشراء العقار، فهو يسهم في إحداث انتعاش ملحوظ في السوق وضبط الأسعار لتوفر البديل السكني المناسب بأسعار تنافسية مقبولة. وانتقد في هذا السياق الفورات التي شهدها السوق في فترات سابقة دون مبرر، نتيجة بعض الممارسات الوهمية التي تسىء إلى السوق وتطيح بأحلام الكثير من الباحثين عن مسكن مناسب. وطالب بأهمية تعزيز ثقافة الاستعانة بخبير عقاري عند الشراء، لضمان عدم الانخداع والحصول على التقييم السليم للمسكن أو قطعة الأرض، وأن يكون ذلك مسلكا دائما في الحياة. وقال إن المبلغ الذي قد يوفره الخبير العقاري قد يساوي أضعاف أية خسارة متوقعة. ورأى المبيض أن هناك مبالغة سواء في الخوف أو الترحيب بالنظام الجديد، الذي مازالت أمامه فترة لاتقل عن 8 أشهر ليدخل حيز التطبيق الفعلي بعد إقراره من مجلس الوزراء وصدور لائحته التنفيذية. وأوضح أن النظام المنتظر لن يكون له تأثيره الفوري على السوق كما يظن البعض، وإن كان سيؤدى إلى دخول سيولة أكبر إلى السوق من خلال إطلاق مشاريع جديدة تؤدي في النهاية إلى إحداث التوازن المنشود بين العرض والطلب، على المدى الطويل، ومن ثم حل أزمة نقص الوحدات السكنية الملحوظ في الفترة الأخيرة، لكنه رأى أن نجاح التطبيق يستلزم وجود نظام رقابي صارم، يمنع التلاعب في التثمين والمبالغة في ضمان حقوق الممولين على حساب المستفيدين باعتبارهم الطرف الأقوى في العملية. ودعا إلى الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في تطبيق النظام، مستغربا رفع قيمة العقار إلى 100 في المائة في بعض حالات الرهن التى تطبقها البنوك في الوقت الراهن. وطالب المبيض بتشكيل جهة موحدة تتولى جميع إجراءات الرهن العقاري، في ظل التداخل الكبير في دور مؤسسة النقد ووزارات العمل والتجارة والداخلية، خاصة أن هذه التجربة نجحت في قطاع الاستثمار. وأوضح أن البنوك السعودية بوضعها الراهن ليست بحاجة ماسة إلى تطبيق هذا النظام على المدى القريب، في ظل نقلها ملكية العقار لصالحها، حتى انتهاء العميل من تسديد الأقساط التي عليه، لكنها ستحتاج له عندما تطلب تمويلا منخفض التكلفة من البنوك الأجنبية التى تشترط تطبيق نظام الرهن العقاري في أسواقها. ووصف إسهام البنوك في هذا المجال بالمحدود حاليا في ظل ارتفاع معدل الفائدة الكبير الذى يرفع من قيمة العقار بشكل مبالغ فيه. ورأى أن فتح المجال لدخول شركات أجنبية لهذا القطاع سيحقق هدفين أساسيين الأول نقل التجارب العالمية الرائدة، والثاني إثراء المنافسة بما يضمن في النهاية توفر منتجات تمويل جيدة وبأسعار مقبولة، مشيرا إلى أن ذلك ينعكس تلقائيا على المستهلك النهائي سواء كان مطورا عقاريا يبحث عن تمويل لبناء وحدات سكنية أو كان مشتريا يبحث عمن يوفر له السيولة المطلوبة بدون فائدة مرتفعة تجعله يعزف عن امتلاك منزل يمثل له حلم العمر. نسبة التمويل العقاري واستغرب العضو المنتدب ورئيس إدارة المصرفية الاستثمارية في الأهلي كابيتال حسن الجابري محدودية التمويل العقاري السكني في المملكة، وقال «تشير التقديرات لدى البنك الأهلي إلى أن إجمالي التمويل العقاري السكني في المملكة يشكل (1 في المائة) من الناتج المحلي الإجمالي سنويا مقارنة بنسبة 66 في المائة في أمريكا و 71 في المائة في بريطانيا. وشدد على أهمية تطبيق قانون الرهن العقاري وتطوير السوق الثانوية وتوحيد المنتجات والمعايير، ضمن إطار محافظ لتجنب التحديات التي طالت الأسواق في أمريكا وأوروبا ولازالت تعاني من تبعاتها إلى الآن. وتوقع حدوث انتعاش في سوق التمويل العقاري لدخول ممولين جدد إلى السوق بجانب البنوك والشركات القائمة. وأشار الجابري إلى ثلاثة عوامل رئيسة تدعم هذا المجال أبرزها قوة الاقتصاد السعودي، وأسعار النفط المستقرة والإنفاق الحكومي. وأشار إلى أن غالبية الاستثمارات تتجه حاليا نحو السوق العقاري لما يحققه من عوائد جيدة، وارتفاع مستمر في قيمة الأصول. وأشار إلى أن قطاع العقار السعودي يتميز بمعدلات طلب كبيرة لاسيما على الإسكان المتوسط. الاستفادة من التجرب من جهته قال نائب الرئيس التنفيذي لشركة كابيتاس جروب الدولية ناصر نوباني: إن سوق العقار لعبت دورا رئيسيا في نمو اقتصاد المنطقة عامة والمملكة خاصة في السنوات الأخيرة، داعيا إلى الاستفادة من التجارب الناجحة في قطاع التمويل في دبي والمنامة، وذلك لضمان التطبيق الأمثل لتشريعات الرهن العقاري خلال المرحلة المقبلة. وتوقع ارتفاع حجم التمويل في السوق السعودية وفق النظام المقترح الجديد، في ظل اتساع السوق الذى يحتاج إلى أكثر من 275 ألف وحدة سكنية سنويا ومعدل النمو السكاني المرتفع، والذى يزيد على 3.8 في المائة، لكنه أشار إلى أن من أبرز أسباب ارتفاع التكلفة هو نظام المباني الأفقي، مقترحا إعادة النظر في ذلك التوجه في المرحلة المقبلة بالتنسيق مع الجهات المختصة بتقديم الخدمات مثل المياه والكهرباء. السعر النهائي ومعدل الفائدة ويعتبر «الاقتصادي» عبدالرحمن العلي إن السعر الإجمالى للوحدة السكنية، مقارنة بالسعر الفعلي وقت الشراء سيكون المحدد الرئيسى لنجاح النظام من عدمه. وأشار إلى أن عدم مبالغة الممولين في البحث عن ارتفاع هامشهم الربحي من شأنه أن يعزز نجاح المشروع، مبكرا إلا أنه استدرك مشيرا إلى أنه أمام الحاجة الملحة قد يتغاضى الفرد عن الدين الكبير الذى يكبله لسنوات طويلة من أجل الحصول على مسكن مناسب.. ورأى أن انتعاش قطاع الإسكان يحتاج إلى رؤية تكاملية تتسم بالشمولية. وأوضح: ما قيمة توفر أي تمويل لو كانت أسعار مواد البناء والتشطيب في ارتفاع صاروخي يوميا بدون مبرر. وأشار إلى أهمية الدور الرقابي للدولة للتدخل وقت الحاجة، مشيرا إلى أن مقولة السوق يصحح نفسه ثبت عدم صحتها، أخيرا في أزمة الرهون العقارية الأخيرة على الصعيد الدولى، وكانت سببا رئيسيا في الأزمة المالية العالمية. وطالب مؤسسة النقد بدور أكثر فعالية عند تطبيق هذا النظام لضمان نجاحه خاصة أن السوق تنتظره منذ سنوات طويلة.