أعود مرة أخرى لأستكمل السلسلة التي بدأتها تحت عنوان (إعلامنا التربوي آخر من يعلم)، سمو الأمير، إن العصر الذي نعيش فيه يعد عصر الإعلام بجميع وسائله ومختلف أدواته، فإن التربية عملية إعلامية، والإعلام في بعض جوانبه عملية تربوية؛ لذا فإن وظيفتهما مشتركة، لأن كلا منهما يشكل عملية اتصال تهدف إلى تنمية الإنسان وخدمة المجتمع، وإن من أهم أهداف وحدة الإعلام التربوي أن تحقق هذا الاتصال من خلال استثمار وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق أهداف التربية، في ضوء السياستين التعليمية والإعلامية. سمو الأمير، أي نوع من الحشد الفكري والقرائح المتوقدة نحتاجها لتنقلنا إلى حيث نريد من التماسك والقوة والانسجام بين أعضاء المجتمع؟ أي نوع من البناء ذلك المطلوب منا أداؤه كي نبني جيلا نفاخر به الأمم ونرفع رؤوسنا به فوق القمم؟ ما هي الخطوات الجادة التي نحتاجها لنخطو مع أنفسنا أولا، ومع الجيل الناشئ ثانيا، كي نصل إلى مستوى من النضج والوعي الذي يؤهلنا للقبض على زمام المبادرة والتغيير لواقعنا ومستقبلنا نحو الأفضل؟ هل نحن مؤهلون آباء وأمهات، معلمين ومعلمات، قياديين وقياديات للتأثير على هذا الجيل الجديد ليستوعب أدواره القادمة التي لا بد له يوما أن يتحملها ويؤديها؟ هل تمضي نوعية الإعداد والاستعداد لتلكم الأجيال القادمة من النواحي التربوية والتعليمية في الإطار الصحيح، نحو الهدف المرسوم والغاية المنشودة؟ أم أن هناك مراجعات ووقفات لا بد أن يقف عندها القائمون والقائمات على شأن التعليم ليصححوا المسار ويقوموا طريق البناء، ذلك البناء الذي ليس مادته الطوب والإسمنت والحجر، إنما مادته إنشاء إنسان، وليس استهدافه لأرض جامدة، إنما يستهدف عقلا وروحا ونفسا، ويستمر البناء فيه مرحلة طويلة من العمر تقترب من العشرين عاما؟ إن التعليم الذي لا يحترم عقول وأجساد وأرواح أبنائنا ليس بالتعليم الذي نطمح إليه. إن بيت القصيد والهدف الأكيد هو بناء الإنسان الصالح القادر على حمل كافة مسؤولياته وواجباته بروح صلبة وبفهم كامل، والمتأمل للمجتمع التعليمي في وقتنا الحالي يتلمس حاجته الحتمية إلى إعلام تربوي يفعل بالصورة التي تحقق لأفراده الفكر الواعي والحس المتنامي؛ لكونه أحد أهم عناصر البناء والتنشئة للأجيال، حيث تترسخ من خلاله القيم الدينية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية لديهم، وتوعيتهم بأهمية الرقابة الشخصية والتحصن الذاتي لإرساء إعلام تربوي واعٍ ينهض بالمجتمع، ويحقق كل ما من شأنه توجيههم بكل الأساليب التربوية الفعالة للوصول بهم إلى فكرٍ واعٍ راقٍٍ يميز بين الإعلام الهادف والإعلام الهادم، وبالتالي، نضمن سلامة الفكر والميول والسلوكيات، أقولها مع الأسف الشديد ما زالت هناك ثغرات واضحة في الجوانب المختلفة للتربية الصحيحة، تغيب عنا في زحمة انشغالنا بأمور تقف في المراتب الأقل من حيث الدرجة والأهمية. إن الانشغال بالفرع على حساب الأصل أمر خاطئ ومرفوض، والقناعة بالقليل من الإنجاز أمر غير منطقي على الإطلاق، وكذلك التنازل عن مفهوم الجودة، سواء في نوعية التربية الأسرية أو في نوعية التعليم أو في نوعية الخدمة المجتمعية أو الإعلامية، هو أمر غير مبرر، خصوصا أن بين التعليم والإعلام ترابط يصعب معه الفصل بينهما، إذ أن كلا منهما وسيلة للوصول إلى الآخر، بل إن الإعلام مكمل للتعليم، بالفعل نحن الآن بحاجة إلى إعلام تربوي قادر على الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة، وتطويعها لخدمة المجتمع التربوي... ونستكمل في المقال القادم بإذن الله.