سوف يشغل رئيس هيئة مكافحة الفساد أصعب وظيفة وأحرج مهمة وأعقد دور لأنه سيواجه أشرس عدو للدولة والمجتمع، ولأن المجتمع يتوقع من الهيئة أن تطارد الفساد في كل موقع، وهي مهمة صعبة جدا، إن لم تكن مستحيلة.. الفساد له ألف وجه ووجه، وإذا أردنا محاربته كله فإننا نحتاج إلى هيئات لا حصر لها، ليس للقضاء على الفساد وإبادته لأن هذا ضرب من الخيال، وإنما للحد من وحشيته وشراسته، ووضعه في أضيق الحدود الممكنة.. الفساد طيف واسع من الممارسات، كلها تؤدي إلى الخراب في النهاية. إنه لا ينحصر في شكله الأشهر لدى الناس، أي سرقة المال العام والرشوة ونهب ممتلكات الدولة والمواطنين، بل يتعدى ذلك إلى ممارسات لوجستية يمكن تسميتها بالفساد الناعم، من شأنها التمهيد لسهولة إتمام الصفقات الفاسدة، وعادة لا يظهر أصحابها في الواجهة ولا يشعر بهم أحد رغم خطورتهم الكبيرة. الأنظمة الرخوة الهلامية ذات التصميم القابل للاختراق تجعل دائرة الفساد تتسع تحت مظلة النظام، ولا يمكن لهيئة مكافحة الفساد محاصرتها ما لم تتطور هذه الأنظمة لتصبح ضد الفساد وليست مساعدة عليه.. المسؤولون الذين لا يتوفرون على الكفاءة اللازمة أو التأهيل والخبرة ومع ذلك يديرون مواقع مهمة، ويستمرون فيها رغم النتائج الفادحة التي يتسببون فيها، هو نوع مهم من أنواع الفساد لا نظن الهيئة قادرة على اجتثاثه ما لم نتوقف عن تعيين مثل هؤلاء المسؤولين، ونلغي مبدأ التعيين لبعض الوظائف المهمة بالارتياح الشخصي أو التزكية أو الاعتبارات التي لا علاقة لها بالكفاءة. إضاعة الوقت وتعطيل مصالح الناس وإغلاق الأبواب في وجوههم فساد حقيقي مهما حاول أصحابه تبريره، وإجبار المواطن على البحث عن واسطة لإنهاء معاملاته وحاجاته هي الفساد بعينه، وما لم تتغير هذه الممارسة المستشرية العلنية فإننا سنبقى في نقطة الصفر، وستظل شعارات مكافحة الفساد مجرد شعارات لا طائل منها.. محاربة الفساد قضية عامة بقدر ما للمجتمع دور مهم فيها فإن للأنظمة دورا أهم يجب التركيز عليه. وحتى لو تغيرت هذه الأنظمة إلى الأفضل فلن يتغير شيء إذا كان مسموحا اختراقها، وإذا كانت الاستثناءات هي القاعدة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة