لا تخفي بلدات وقرى الطائف اعتزازها بقيم القبيلة وموروثاتها التليدة، ويبدو ذلك جليا وواضحا في المناسبات الاجتماعية، وبين أوساط العاملين في مختلف القطاعات في صورة تعليقات لطيفة بين أناس تجمعهم القبيلة ويوحد بينهم الوطن العزيز. وتظهر أشكال التعبير القبلي في الليالي والأمسيات الشعرية والقلطة، إذ ينبري الشعراء في الحديث عن الأصالة والثناء على الذات في روح طيبة، فيما يتصدى آخر بالثناء على قبيلته بروح من الدعابة التي لا تفسد للرأي ولا للود قضية. وهو الأمر الذي لم يستوعبه بعد، المراهقون والطلاب في مشاجراتهم ومضارباتهم، حيث يجد كل طرف الفزعة من أبناء قبيلته لكن الكبار يتدخلون لإعادة الأمور إلى نصابها. رغم السلبيات التي تدور حول مفهوم ومحيط القبيلة، إلا أن القبيلة تتميز بالكثير من المزايا، منها اللحمة وإحياء صلة القرابة، والاهتمام الجمعي بأفراد القبيلة مثل المشاركة في الأفراح والأحزان. وأهم من ذلك كله أنها تعزز الانتماء الوطني، حيث يسير أبناء القبائل على نهج آبائهم وأجدادهم في الولاء والطاعة لولاة الأمر. ولعله من المفيد القول إن بعض العادات اندثرت فيما بقيت بعضها صامدة أمام سطوة التقنية والتطور، منها عادات «الفرقة» أو «القطة» أو «الحص» التي تجمع الناس في حال الحوادث وقضايا الدم بهدف السداد عن ابن القبيلة، وهي العادة المستمرة في معظم القبائل. كما أن هناك قبائل في الطائف لا تزال تطبق عقوبات على أفرادها، مثل الغرامات ومقاطعة حضور مناسباتهم الاجتماعية وغيرها. ولا زال مشايخ القبائل يتصدون بدورهم في التأثير على الأفراد، سيما في مجالات إصلاح ذات البين والسعي لخدمة القرية أو المركز. إضافة إلى كونهم حلقة الوصل بين الجهات المعنية وأفراد القبيلة. تواصل في الإنترنت «عكاظ» استطلعت وضع القبيلة في الطائف، يقول المشرف التربوي محمد العضياني، إن القبائل لا تزال تحتفظ بعاداتها وتقاليدها مثل «الحص» الذي يجمع أفراد القبيلة للسداد عن أحد أفرادها حال تعرضه لأية قضية تحتاج للعون والمساعدة والنجدة. كما أن شيخ القبيلة لا زال يحتفظ بدوره الأساسي في إصلاح ذات البين، وتمثيل حلقة وصل بين المسؤولين وأفراد القبيلة، إلى جانب ترسيخه لمبادئ اللحمة الوطنية وتعزيز دور أبناء القبيلة في خدمة الوطن. يضيف العضياني: لا ننكر أن تباعد المسافات وكثرة المشاغل والأعمال وتنامي الزيادة السكانية في القبائل لعبت دورا كبيرا في اضمحلال بعض العادات والتقاليد. وفي مقابل ذلك اتجهت بعض القبائل إلى إنشاء منتديات إلكترونية للعمل على تسهيل اجتماع أبناء القبائل عبر الإنترنت وشبكة المعلومات بهدف التواصل الاجتماعي ومعرفة أخبار القبيلة والتوادد بين الأفراد. سطوة التكنولوجيا وفي رأي ناصر حمدان العتيبي، أن العادات والتقاليد القبلية لا تزال أغلبها باقية وصامدة أمام نقلة التكنولوجيا، وما يطلق عليه الحداثة، ومنها استمرار لحمة القبيلة وأبنائها وتواصلهم في الأفراح والأتراح، حيث يشارك أفراد القبيلة ومشايخها في التبريكات والتهاني وحضور المناسبات السعيدة للفرد ويشاطرونه في أحزانه وأزماته. ويقول العتيبي إن تباعد مقرات أعمال أبناء القبائل قلل من تواصلهم، ففي السابق كان أبناء القبيلة يجتمعون لدى الشيخ ويتم التباحث حول قضايا القبيلة أما الآن، فمن النادر أن نجد مثل هذه الاجتماعات لكثرة المشاغل، ومع ذلك لا تزال العادات والتقاليد باقية ومستمرة وصامدة. ويشير العتيبي إلى أن أبناء القبائل يسيرون على خطى آبائهم وأجدادهم في الولاء والطاعة وتعزيز الانتماء الوطني كما أن مشايخ القبائل يحتفظون بأدوارهم الكبيرة في إصلاح ذات البين وتعزيز الانتماء الوطني لأفراد القبيلة. عقوبات على العريس.. والكاميرا يؤكد رشيد بن مساعد المالكي، أن القبيلة هي أساس الوطن بعدما وحد الملك المؤسس كل القبائل في النسيج الوطني المتماسك، فالشباب السعودي يفتخر بإحياء العادات والتقاليد والموروث الشعبي وإقامة المناسبات والحفلات والاجتماعات، ولا زال لشيخ القبيلة الكلمة على قبيلته في لم الشمل وحل المشاكل وإصلاح ذات البين، كما أنه في حال الدية على أحد أفراد القبيلة تجتمع القبيلة لسدادها عن طريق صندوق القبيلة، كما تتحمل القبيلة نتائج حوادث أبنائها. وفي حالة الخروج عن قيم القبيلة وأعرافها فتوقع عقوبات صارمة على الخارجين، منها مقاطعة مناسباته الاجتماعية وعدم الوقوف معه في محنته، كما أن هناك غرامات تصل إلى عشرة آلاف ريال في حالة دخول العريس على النساء في صالة الأفراح. وتفرض عقوبات صارمة على دخول الكاميرا إلى قاعات النساء وهذه العقوبات مطبقة وسبق تنفيذها. ومن يرفض يقاطع تماما حتى يدفع الغرامة وقد تم الاتفاق على ذلك. الخوامس في قلب الحدث ويشير المالكي إلى أن شيخ القبيلة يعتبر همزة وصل بين المواطنين والجهات المختصة، حيث يستعين بالخوامس من أفراد قبيلته في القرى الأخرى، وكل شخص مسؤول عن قرية ومتعارف عليه ويمثلهم أمام شيخ القبيلة، كما أنه يتولى إنهاء بعض المشاكل قبل وصولها إلى الجهات الأمنية، وله دور فعال في خدمة الدولة وتخفيض قيمة الشكاوى والمطالبات. ويرى المالكي أن حديثه مبني على خبرة عشر سنوات في مشيخة القبيلة بعد وفاة والده، إذ كان شيخا للقبيلة منذ 50 عاما. ويقول إن جده الذي كان شيخا للقبيلة كان لديه سجن لمعاقبة المخالفين وإنهاء المشاكل، لكن الحال تغير بعد أن من الله على بلادنا بنعمة الأمن والأمان. تحصين ضد الأمية مدير مكتب التربية والتعليم في المويه سعود الفديع الروقي، أكد على أهمية القبيلة ودورها الفعال في المجتمع من حيث تعزيز أواصر الألفة وتعزيز صلات القربي، وامتداد ذلك إلى الولاء الوطني. وقال إن المدارس تحترم العادات والتقاليد القبلية التي تتماشى مع الشريعة الإسلامية وتعمل على المحافظة عليها، وكشف الروقي أن بعض العادات والتقاليد القبلية القديمة اندثرت، ففي عقود قديمة كان ينتقد ذهاب الطلاب والطالبات للمدارس. ومع التطور الذي تشهده بلادنا لم يعد هناك نسبة كبيرة من الأميين بين أفراد القبائل. وأكد الروقي تمسك القبائل بالعادات والتقاليد الجميلة، منها صلة القرابة ومشاركة أبناء القبيلة لبعضهم في الأفراح والأحزان وغيرها، كما شدد على استمرار أهمية شيخ القبيلة في معالجة المشاكل قبل وصولها للجهات الأمنية، وعلى سبيل المثال قضايا المضاربات، حيث يجتمع أقارب الجاني ويتجهون لمنزل المجني عليه لطلب الصفح ومنحه ما يطلب كما أن مشايخ القبائل يعتبرون حلقة وصل بين أفراد القبيلة والحاكم الإداري. عضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد آل زلفة، قال من جانبه ل«عكاظ»، إن القبائل تعتبر عون الدولة فالدولة قوية بهم وهم أقوياء بالدولة، وأبناء القبائل شركاء في صناعة الدولة ووحدة الوطن، ومستمرون على ولائهم لقيادتهم ووحدة وطنهم.