* عندما نتحدّث عن شيوخ القبائل .. فإننا نتحدّث عن وجاهة اجتماعية ورسمية !!. ولا أعني ب (الوجاهة) المفردة في ذاتها، بقدر ما أعنى ما يتعلق بها من مهام ومسؤوليات !!. * شيخ القبيلة يمثّل واسطة العقد ، فيما بين أفراد قبيلته ، وبين مختلف الدوائر والقطاعات الحكومية !! وعندما نقول واسطة العقد ، فَلَكُمْ أن تقيسوا حجم ما هو مطلوب تمريره ما بين دوائر فسيحة الاتّساع من خلال شخص واحد لا أكثر !!. ليس هذا فحسب ، بل إن هذا الفرد عليه أن يتحمل كل مسؤولياته ، وهو معني بها، ومحاسب عليها ! * فهو عليه إبلاغ من تحتاجهم الدوائر الحكومية من أفراد قبيلته بمراجعتها ، واحسبوا كم فردًا مطلوبًا لدى كل دائرة حكومية ؟.. وكان الله في عون (شيخ القبيلة) .. يتحوّل إلى موزع بريد ، وإلى معقب ، وإلى محضر ، وإلى كل شيء !!. وكان الله في عون شيخ القبيلة ثانية لو لم يبلغ أحدًا مطلوب إبلاغه ، فقد يعرّض نفسه لأي إجراء رسمي مثله مثل أي موظف آخر ، و (الشيخة) ليست حصانة !!. * وشيخ القبيلة محسوب عليه كل أفراد قبيلته .. بأفكارهم ، وأنماط سلوكياتهم !! قد لا يكون هذا بالشكل القطعي رسميًّا ، ولكن حتى بأدبيات الأصول القبلية ، وحقوق الانتماء والولاء والوطنية !!. * ثم إن شيخ القبيلة يلعب دورًا محوريًّا في فض المنازعات ، وحل الإشكالات ويمثل نقطة ارتكاز في إصلاح ذات البين بين أفراد قبيلته ، فأكثر القضايا والخصومات يحلّها وديًا ويطفئ فتيلها من غير أن تصل إلى أقسام الشرط أو المحاكم !! وفي هذا السياق بالذات يتعب مشايخ القبائل كثيرًا ، خصوصًا بعد هجرة أفراد القبائل وتباعد معائشهم ، ولذلك فيوم هو هنا ، ويوم هو هناك أينما وقعت مشكلة ، أو دعت إلى وجوده حاجة !! * ثم إن شيخ القبيلة يتكبد الخسائر الكبيرة في المناسبات والضيافات !. فبيته أشبه بخلية نحل ، هؤلاء يأتون وأولئك يذهبون ، الناس يقصدون بيت شيخ القبيلة من كل مكان ، ومجالسهم مجالس صلح واستقبال وضيافة !!. يتكلّف شيخ القبيلة فوق طاقته من بواعث شهامته ، وكرم ضيافته ، وموجبات مركزه ، وحتى لو كان ذلك من منطلق (مكره أخاك لا بطل) فالنتيجة واحدة وعلى (شيخ القبيلة) أن يدفع كل الأثمان !. * أسوق كل هذه المهام والمسؤوليات والمتاعب والخسائر التي يواجهها شيخ القبيلة لأصل إلى سؤال واحد وهو: في مقابل كل ذلك .. ماذا يتقاضى مشايخ القبائل ؟؟. * تخيّلوا أنتم كم ؟؟ * أقول لكم .. لا شيء !!.. نعم لا شيء .. ولا تفتحوا الأفواه أكثر !!. * وحتى نكون أكثر دقة .. فشيوخ القبائل في بعض المناطق يتسلّمون سنويًّا قرابة (240) ريالاً ، وأضعها بين قوسين حتى لا تتشابه علينا الأرقام .. مئتان وأربعون ريالاً ، وهذا (الشيخ الكبير) وهناك مَن يستلم أقل .. ولا أدري تحت أي بند تُصرف ، لكن الذي أدريه بالتأكيد أننا لو قسمنا المائتين والأربعين ريالاً بعدد شهور السنة لخرج كل شهر بعشرين ريالاً ..!! * ثم حتى نكون دقيقين أكثر فإن شيوخ القبائل يستلمون سنويًّا ما يعرف بعوائد المناخ ، مثلهم مثل أي مواطن عادي آخر ، وهذه العوائد أعتقد أنها ما بين ستة آلاف ريال إلى خمسة عشر ألف ريال تقريبًا . يعني شيخ القبيلة يستلم (عائدًا وليس مرتبًا) ما يعادل في الشهر (1600) ريالاً . وأضيف عليها العشرين ريالاً السابقة !!. هل هذا يعقل ؟؟!!. * أحد المشايخ قال بحسرة: ما أتقاضاه لا يكفي للسائق الذي معي !!. * نحن بهذا نجعل الشيخ أمام خيارات الممارسات غير المشروعة ، أو إغراقه بالديون ، وأكثرهم -ولله الحمد- اختار الثانية فحتى سيارته بالدَّين !!. * وللحق فالدولة اهتمت بالأمر ، لكن مشايخ القبائل ضحية (البيروقراطبة الورقية) ، فمعاملة دراسة أوضاعهم لها قرابة العشرين عامًا داخل أدراج الجهات المسؤولة ، وبحسب ما أسمع فإن (الإشكالية) هي مع وزارة الخدمة المدنية . في بعض المناطق المشكلة تم حلها بتسكين مشايخ القبائل كرؤساء مراكز باعتبارها وظائف استثنائية !!. * مشايخ القبائل في ظل هذه الفيوض الملكية التي أفرحت كل أبناء الوطن ينتظرون غيضًا يفيض عليهم ، وينهي سنين الانتظار العجاف !!. لا أقول هذا نيابة عنهم ، ولكن إحساسًا بمعاناتهم !!. والدولة خير مَن يقدر شيخ القبيلة وحجم مسؤولياته !!.