إلى متى يرسمنا الآخرون كما يحلو لهم ويقدموننا للعالم بالشكل الذي يتخيلونه أو يختارونه فيشوهون صورتنا ويعبثون بتراثنا عن قصد أو عن غير قصد وإلى متى يصوغون لنا ما نشاهده وما نستمتع به مع عائلاتنا وأطفالنا دون أن تكون لنا الكلمة الفصل أو الخيار المعقول في شيء من ذلك، ما يزال إنتاجنا الدرامي قليل الكم ضعيف البناء الفني يعتمد في معظمه على أعمال الهواة واجتهادات الأفراد والشركات الصغيرة، تنقصه الكفاءات وتعوزه الخبرات والتجارب العميقة، ساعات طويلة من البث المتاح تقتنصها الدراما الوافدة من وراء البحار تتحدث بلسان مبدعيها وتبث قصص وقيم الشعوب التي أنتجتها فتزرع في أفئدة أبنائنا وبناتنا مفاهيم جديدة بعيدة وغريبة عن جوهر قيم مجتمعنا، فمن المسلسلات والأفلام الغربية إلى الدراما التركية والهندية المدبلجة التي راج سوقها في السنوات الأخيرة إلى الأخرى المكسيكية وهلم جرّا .. فمتى يكون لنا إنتاجنا الدرامي المعتبر الذي ينهض لمنافسة ما يرد عبر الفضاء ويعكس الصورة الواقعية لما عليه مجتمعنا، ينبض بأحلامنا وتطلعاتنا وينطق بألسنة مبدعينا ويعرض للمشاهدين بقسمات تشبه قسمات وجوهنا ويتحدث عن مشكلاتنا الأسرية والاجتماعية والاقتصادية لنرى أنفسنا بمرآتنا الحقيقية، لم تعد المسألة مجرد ترف أو عبث لا طائل منه كما قد يتصور البعض، فإما أن تشغل هذه الشاشات بما تريد وإما أن تشغل بما يراد لك وما يبث اليوم عبر الفضائيات هو ما سيساهم بفعالية في رسم وبلورة شخصيات الأبناء المرابطين أمام أجهزة التلفزيون ويشارك في تكوين وغرس مبادئهم وتشكيل أذواقهم، وما يثير العجب أنه رغم التطور المتسارع الذي شمل معظم نواحي الحياة في المملكة إلا أن الإنتاج الفني والدرامي خصوصا لازال في معظمه دون المستوى المأمول كما وكيفا، فقد تنوعت أذواق المشاهدين وتعددت توجهاتهم وتوسعت ساعات البث الفضائي ولم يواكبها ما يرتقي إلى مستوى ذائقة المشاهد الذي يقارن ما يعرض عليه بما يراه قادما متسللا عبر الفضاء ولم يعد المشاهد اليوم هو ذاته في العقود الماضية وذائقته البكر وخياراته المحدودة، وإذا تأملت أساس المشكلة ستدرك أننا لن نتمكن من استدراك هذا العجز ما لم تنشأ صناعة متكاملة للإنتاج الفني تبدأ من معاهد راقية للتمثيل وفنونه وكليات تؤهل وتخرج الفنيين والتقنيين الواقفين خلف الكاميرات والذين يشكلون المدد الحقيقي لأية صناعة إعلامية أو فنية ناجحة.. آن للقائمين على أمر الإنتاج الدرامي أن يعلموا أنه من أهم أدوات التأثير والتغيير الحضاري وصنع أجيال المستقبل وتشكيل قناعاتها فلكل لقطة مهما صغرت معناها الذي قد يكون أبلغ أثرا من أي كتاب أو خطاب ولكل زاوية تأخذها الكاميرا أثرها ولكل موسيقى تصويرية تأثيرها الواضح في أفئدة المتلقّين، فلا بأس من فتح باب الاستثمار للشركات الوطنية التي تعي الهدف وتتحمل المسؤولية، إذ لا يعقل أن نبقى سوقا رائجة لإنتاج الآخرين ولا نشارك في هذا العراك الثقافي والفني المحتدم في صالونات بيوتنا.